للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا من هو بصورة الرجال من الملائكة. قال القاضي: ولعله أراد الملك الذي يرسل إلى الأنبياء بحضرة أممهم كما

روي أن جبرائيل عليه السلام كان يأتي في صورة دحية وفي صورة سراقة،

وإنما قيدنا بحضرة الأمم لأن الملائكة قد يبعثون على صورتهم الأصلية عند إبلاغ الرسالة من الله إلى نبيه كما

روي أنه صلى الله عليه وسلم رآى جبرائيل على صورته التي هو عليها مرتين.

وعليه تأوّلوا قوله: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى [النجم: ١٣] ثم إنهم كانوا مقرين بأن اليهود والنصارى أصحاب العلوم والكتب فأمرهم الله- أعني قريشا- بأن يرجعوا إليهم في هذه المسألة ليبينوا لهم ضعف هذه الشبهة وسقوطها وذلك قوله: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ قال بعض الأصوليين: فيه دليل على أنه يجوز للمجتهد تقليد مجتهد آخر فيما يشتبه عليه.

واحتج نفاة القياس بالآية قالوا: لو كان حجة لما وجب على المكلف السؤال بل كان عليه أن يستنبط ذلك الحكم بواسطة القياس. وأجيب بأنه قد ثبت العمل بالقياس لإجماع الصحابة، والإجماع أقوى من ظاهر النص. أما قوله: بِالْبَيِّناتِ ففي متعلقه وجوه منها:

أن يتعلق ب أَرْسَلْنا داخلا تحت حكم الاستثناء مع رِجالًا وأنكر الفراء ذلك قال: إن صلة ما قبل «إلا» لا تتأخر إلى ما بعد «إلا» لأن المستثنى منه هو مجموع ما قبل إلا مع صلته كما لو قيل: ما أرسلنا بالبينات إلا رجالا. ولما لم يصر هذا المجموع مذكورا بتمامه امتنع إدخال الاستثناء عليه. ومنها أن يتعلق ب رِجالًا صفة له أي رجالا متلبسين بالبينات.

ومنها أن يتعلق ب أَرْسَلْنا مضمرا نظيره «ما مر إلا أخوك» ، ثم تقول «مرّ بزيد» قاله الفراء. ومنها أن يتعلق ب يوحى أي يوحى إليهم بالبينات. ومنها أن يتعلق بالذكر بناء على أنه بمعنى العلم. ومنها أن يتعلق ب لا تَعْلَمُونَ أي إن كنتم لا تعلمون بالبينات وبالزبر فاسألوا. وقال في الكشاف: الشرط هاهنا في معنى التكبيت والإلزام كقول الأجير:

إن كنت عملت لك فأعطني حقي. قلت: أراد أن عدم علمهم مقرر كما أن عمل الأجير ثابت. وسلم جار الله أن مثل قوله: فَسْئَلُوا جواب الشرط على هذا الوجه. وأما على الوجوه المتقدمة فجزمت أنه اعتراض بناء على أن جواب الشرط هو ما دل عليه قوله وَما أَرْسَلْنا إلخ. وعندي أن هذا الجزم ليس بحتم ويجوز على كل الوجوه أن يكون مثل فَسْئَلُوا جوابا والله أعلم. وأهل الذكر أهل التوراة. كقوله: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ [الأنبياء: ١٠٥] يعني التوراة. وقال الزجاج: سلوا كل من يذكر بعلم وتحقيق. وقوله:

بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ لفظ جامع لكل ما تتكامل به الرسالة لأن مدارها على المعجزات الدالة على صدق من يدعي الرسالة وهي البينات، وعلى التكاليف التي تعتبر في باب العبادة وهي للزبر. ثم قال: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ أي القرآن الذي هو موعظة وتنبيه وتذكير لأهل الغفلة والنسيان، وبيّن الغاية المترتبة على الإنزال وهي تبيين الأحكام والشرائع

<<  <  ج: ص:  >  >>