للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخبر أنه أسرى به في بعض الليل مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ

عن النبي صلى الله عليه وسلم: بينا أنا في المسجد الحرام في الحجر عند البيت بين النائم واليقظان إذ أتاني جبريل بالبراق.

وقيل: المراد بالمسجد الحرام الحرم لإحاطته بالمسجد والتباسه به. وعن ابن عباس: الحرم كله مسجد وإلى هذا القول ذهب الأكثرون. قالوا: إنه أسرى به من دار أم هانيء بنت أبي طالب قبل الهجرة بسنة. وعن أنس والحسن أنه كان قبل البعثة. إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى هو بيت المقدس بالإتفاق سمي بالأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام ولم يكن حينئذ وراءه مسجد. الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ يريد بركات الدين والدنيا لأنه متعبد الأنبياء من وقت موسى عليه السلام، ومهبط الوحي وهو محفوف بالأنهار الجارية والأشجار المثمرة. وقوله: أَسْرى مع قوله: بارَكْنا سلوك لطريقة الالتفات لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا بيان لحكمة الإسراء.

سؤال: أرى إبراهيم عليه السلام ملكوت السموات والأرض، وأرى محمدا صلى الله عليه وسلم بعض آياته فيلزم أن يكون معراج إبراهيم أفضل؟

الجواب: لعل بعض الآيات المضافة إلى الله تعالى أشرف وأجل من ملكوت السموات والأرض كلها ولهذا ختم الآية بقوله: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لأقوال محمد الْبَصِيرُ بأفعاله المهذبة الخالصة فيكرمه على حسب ذلك.

واعلم أن الأكثرين من علماء الإسلام اتفقوا على أنه أسري بجسد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأقلون على أنه ما أسرى إلا بروحه. حكى محمد بن جرير الطبريّ في تفسيره عن حذيفة أنه قال: كان ذلك رؤيا وأنه ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه عرج بروحه. وحكى هذا القول عن عائشة أيضا. وقد احتج بعض العقلاء على هذا القول بوجوه منها: أن الحركة الجسمانية البالغة في السرعة إلى هذا الحد غير معقولة: ومنها أن صعوده إلى السموات يوجب انخراق الفلك. ومنها أنه لو صح ذلك لكان من أعظم معجزاته فوجب أن يكون بمحضر من الجم الغفير حتى يستدلوا بذلك على صدقه، وما الفائدة في إسرائه ليلا على حين غفلة من الناس. ومنها أن الإنسان عبارة عن الروح وحده لأنه باق من أول عمره إلى آخره، والأجزاء البدنية في التغير والانتقال والباقي مغاير للمتغير، ولأن الإنسان يدرك ذاته حين ما يكون غافلا عن جميع جوارحه وأعضائه.

ومنها قوله سبحانه: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [الإسراء: ٦٠] وما تلك الرؤيا إلّا حديث المعراج. وإنما كانت فتنة للناس لأن كثيرا ممن آمن به حين سمعها

<<  <  ج: ص:  >  >>