للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صرفنا فيه ضروبا مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وأراد بهذا القرآن إبطال إضافتهم البنات إلى الله لأنه مما كرر ذكره، والمقصود ولقد صرفنا القول في هذا المعنى. وقيل: لفظة «في» زائدة كقوله وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي [الأحقاف: ١٥] قال الجبائي: في قوله: لِيَذَّكَّرُوا دلالة على أنه أراد منهم فهمها والإيمان بها. والمراد بالذكر هاهنا فيمن قرأ مخففا هو التذكر والتأمل لا الذكر الذي هو نقيض النسيان. وقالت الأشاعرة: قوله: وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً دلت على عكس ذلك لأن الحكيم إذا أراد تحصيل أمر من الأمور وعلم أن الفعل الفلاني يصير سببا لعسره وتعذره والنفرة عنه يقبح منه الأمر بذلك الفعل. ولما أخبر أن هذا التصريف يزيدهم نفورا علمنا أنه ما أراد الإيمان منهم. عن سفيان الثوري أنه كان إذا قرأها قال:

زادني ذلك خضوعا ما زاد أعداءك نفورا. ثم دل على التوحيد الذي أمر به في قوله: وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فقال: قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ أي كما يقول المشركون من إثبات آلهة من دونه أو كما تقولون أيها المشركون. وفي قوله إِذاً دلالة على أن ما بعدها وهو لَابْتَغَوْا جواب عن مقالة المشركين وجزاء ل «لو» قاله في الكشاف. قلت: ولعل إِذاً هاهنا ظرف لما دل عليه لَابْتَغَوْا أي لطلبوا إذ ذاك إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا بالمغالبة كما يفعل الملوك بعضهم ببعض ومثله لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء: ٢٢] ويسمى في عرف المتكلمين دليل التمانع وسيجيء بحثه في سورة الأنبياء إن شاء الله العزيز. وقيل: معنى الآية لو كانت هذه الأصنام كما تقولون من أنها تقربكم إلى الله زلفى لطلبت لأنفسها المراتب العالية والدرجات الرفيعة، فلما لم تقدر أن تتخذ لأنفسها سبيلا إلى الله فكيف يعقل أن تهديكم إلى الله. ثم نزه نفسه عن أقوالهم فقال سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً فوضع الثلاثي وهو العلوّ موضع المتشعبة وهو التعالي كقوله أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً [نوح: ١٧] ثم وصف العلو بالكبر مبالغة في النزاهة وتنبيها على أن بين الواجب لذاته والممكن لذاته وبين الغني المطلق والفقير المطلق مباينة لا تعقل الزيادة عليها.

ثم بين غاية ملكه ونهاية عظمته بقوله: تُسَبِّحُ لَهُ الآية: قالت العقلاء: تسبيح الحي المكلف يكون تارة باللسان بأن يقول «سبحان الله» وأخرى بدلالة أحواله على وجود الصانع الحكيم، وتسبيح غيره لا يكون إلا من القبيل الثاني. وقد تقرر في أصول الفقه أن اللفظ المشترك لا يحمل على معنييه معا في حالة واحدة فتعين حمل التسبيح هاهنا على المعنى الثاني ليشمل الكل هذا ما عليه المحققون. وأورد عليه أنه لو كان المراد بالتسبيح ما ذكرتم لم يقل وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ لأن التسبيح بهذا الوجه مفقوه معلوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>