للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التفسير:]

قال أهل النظم: إنه لما ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان من قومه في بلية عظيمة ومحنة شديدة، أراد أن يبين أن جميع الأنبياء كانوا كذلك حتى آدم عليه السلام. وأيضا إن القوم كان منشأ نزاعهم واقتراحاتهم الفاسدة أمرين: الكبر والحسد.

فبين الله سبحانه أن هذه عادة قديمة سنها إبليس لعنة الله عليه. وأيضا لما وصف القوم بزيادة الطغيان عقيب التخويف أراد أن يذكر السبب لحصول هذا الطغيان وهو قول إبليس لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ وهذه القصة ذكرها الله تعالى في سبع سور: البقرة والأعراف والحجر وهذه السورة والكهف وطه وص. ونحن قد استقصينا القول فيه فلا حاجة إلى الإعادة فلنقتصر على تفسير الألفاظ. قال جار الله طِيناً حال إما من الموصول والعامل فيه أَسْجُدُ معناه أأسجد له وهو طين في الأصل؟ وإما من الراجع إلى الموصول من الصلة تقديره أأسجد لمن كان في وقت خلقه طينا؟ ومعنى الاستفهام إنكار أمر الأشرف على زعمه بخدمة الأدون ولذلك قالَ أَرَأَيْتَكَ أي أخبرني عن هذا الذي كرمته أي فضلته عَلَيَّ لم كرمته وأنا خير منه؟ فاختصر الكلام لكونه معلوما. ويمكن أن يقال: هذا مبتدأ والاستفهام فيه مقدر معناه أخبرني أهذا الذي كرمته عليّ؟ والإشارة هنا تفيد الاستحقار. وقيل: إن هذا مفعول: أَرَأَيْتَكَ لأن الكاف لمجرد الخطاب كأنه قال على وجه التعجب والإنكار: أبصرت أو علمت هذا بمعنى لو أبصرته أو علمته لكان يجب أن لا يكرّم عليّ. ثم ابتدأ فقال لئن أخرتني واللوم موطئة للقسم المحذوف وجوابه لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ لأستأصلنهم بالإغواء من احتنك الجراد الأرض إذا جرد ما عليها أكلا من الحنك. ومنه ما ذكر سيبويه «أحنك الشاتين» أي آكلهما. وقال أبو مسلم: هو افتعال من الحنك يقال منه حنك الدابة يحنكها إذا جعل في حنكها الأسفل حبلا يقودها به كأنه يملكهم كما يملك الفارس فرسه بلجامه. وإنما ظن إبليس بهم ذلك لأنه سمع قول الملائكة في حقهم تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها [البقرة: ٣٠] أو نظر إليه فتوسم أنه خلق شهواني إلى غير ذلك من قواه السبعية والوهمية والبهيمية، أو قاس ذرية آدم عليه حين عمل وسوسته فيه. وضعفه جار الله بأن الظاهر أنه قال ذلك قبل أكل آدم من الشجرة قالَ أي الله تعالى اذْهَبْ ليس المراد منه نقيض المجيء وإنما المراد امض لشأنك الذي اخترته خذلانا وتخيلة وإمهالا. ثم رتب على الإمهال قوله: فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ أراد جزاؤهم وجزاؤك فغلب المخاطب على الغائب لأنه الأصل في المعاصي وغيره تبع له. وجوز في الكشاف أن يكون الخطاب لتابعيه على طريقة الالتفات. وانتصب جَزاءً مَوْفُوراً على المصدر والعامل فيه معنى تجازون المضمر، أو

<<  <  ج: ص:  >  >>