للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعروف: بداية هذا أخبار من أصناف ألطافه بأضيافه، وفيه إشارة إلى أن نور ولايتهم يغلب نور الشمس ويرده عن الكهف كما يغلب نور المؤمن نار جهنم

لقول صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن إذا ورد النار تستغيث النار وتقول: حزبا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي»

وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ في متسع وفراغ من ذلك النور يدفع عنهم كل ضر ويراعيهم عن بلى أجسادهم وثيابهم. قلت: يحتمل أن يراد أن شمس الروح أو المعرفة والولاية إذا طلعت من أفق الهداية وأشرقت في سماء الواردات- وهو حالة السكر وغلبات الوجد- لا تنصرف في حال خلوتهم إلى أمر يتعلق بالعقبى وهو جانب اليمين وَإِذا غَرَبَتْ أي سكنت تلك الغلبات وظهرت حالة الصحو لا تلتفت همم أرواحهم إلى أمر يتعلق بالدنيا وهو جانب الشمال، بل تنحرف عن الجهتين إلى المولى وهم في حال دفاع وفراغ مما يشغلهم عن الله وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً متصرفين في أمور الدنيا وَهُمْ رُقُودٌ عنها لأنهم يتصرفون فيها لأجل الحق لا لحظ النفس، أو تحسبهم أيقاظا مشغولين بأمور الآخرة لأن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا، وهم رقود متصرفون في أمور الدنيا لأن الناس بهم يرزقون ويمطرون. وفي قوله:

وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ إشارة إلى أنهم في التسليم لمقلب القلوب في الأحوال كلها كالميت بين يدي الغسال. قيل: في الآية دلالة على أن المريد الذي يربيه الله بلا واسطة المشايخ تكامل أمره في ثلاثمائة وتسع سنين، والذي يربيه بواسطتهم تم أمره في أربعينات معدودة ولهذا تكون ثمرة البساتين الزهر وثمرة الجبال وفي قوله: وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ إشارة أن أكلب نفوسهم نائمة معطلة عن الأعمال بها. ربيت القلوب والأرواح معنى أن هذا النوع من التربية من قبيل القدرة الإلهية التي اختصهم بها، ويمكن أن يراد أن نفوسهم صارت بحيث تطيعهم في جميع الأحوال وتحرسهم عما يضرهم وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً بما شاهدت عليهم من آثار الأنوار التي زدناهم، ولجلاليب الهيبة والعظمة التي ألبسناهم لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ لأن أيام الوصال قصيرة، فما رأوا أنهم في دهشة الوصال وحياة الأحوال قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ لأنه كان حاضرا معكم وأنتم غيب عنكم فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ من العجب أنهم ما احتاجوا مدة ثلاثمائة وتسع سنين بما نالوا من غذاء الروح

كقوله صلى الله عليه وسلم: «أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني» «١» .

فلما رجعوا من عند الله الحق إلى عبدية أنفسهم احتاجوا إلى الغذاء الجسماني أَزْكى طَعاماً لما رجعوا إلى العالم الجسماني، تعللوا من جمال الله بمشاهدة كل جميل وتوسلوا إلى تلك


(١) رواه البخاري في كتاب التمني باب ٩. مسلم في كتاب الصيام حديث ٥٧، ٥٨. الموطأ في كتاب الصيام حديث ٥٨. أحمد في مسنده (٣/ ٨) ، (٦/ ١٢٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>