للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُقْتَدِراً هـ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا ج مفصلا بين المعجل الفاني والمؤجل الباقي مع اتفاق الجملتين أَمَلًا.

[التفسير:]

لما أجاب عن سؤالهم بما أجاب أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يواظب على تلاوة الكتاب الموحى إليه وعلى الصبر مع الفقراء الذين آمنوا بما أنزل عليه، واحتمل أن يكون اتْلُ أمرا من التلو لا من التلاوة أي اتبع ما أوحي إليك والزم العمل بمقتضاه وقوله: مِنْ كِتابِ رَبِّكَ بيان للذي أوحي إليه. ثم بين سبب اللزوم فقال:

لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ أي لا يقدر أحد على تغييرها وإنما يقدر على ذلك هو وحده فليس لك ولا لغيرك إلا المواظبة على العلم والعمل به يؤكده قوله: وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً أي ملتجأ تعدل إليه إن هممت بذلك فرضا. وأصل اللحد الميل كما مر في قوله: يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ [الأعراف: ١٨] نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة الأنعام عن طرد فقراء المؤمنين بقوله: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ [الآية: ٥٢] الآية وأمره في هذه السورة بحبس النفس معهم وبمراقبة أحوالهم بقوله: وَلا تَعْدُ عَيْناكَ قال جار الله: إنما لم يقل ولا تعدهم عيناك من عداه إذا جاوزه لأنه ضمن عدا معنى نبا وفيه مبالغة من جهة تحصيل المعنيين جميعا كأنه قيل: ولا تقتحمهم عيناك مجاوزتين إلى غيرهم. ثم نهاه عن الالتفات إلى الأغنياء الكفرة الذين التمسوا منه طرد الفقراء حتى يؤمنوا به فقال:

وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ قال أهل السنة: معنى الإغفال إيجاد الغفلة وخلقها فيهم، أو هو من أغفلها إذا تركها بغير سمة أي لم نسمه بالذكر ولم نجعله من الذين كتبنا في قلوبهم الإيمان، ويؤيد ويؤيد هذا المعنى أن الغفلة عن الذكر لو كانت بإيجاد العبد والقصد إلى إيجاد الغفلة عن الشيء لا يتصور إلا مع الشعور بذلك الشيء لزم اجتماع الضدين. وقالت المعتزلة: معنى أغفلناه وجدناه غافلا بالخذلان والتخلية بينه وبين الأسباب المؤدية إلى الغفلة يؤيده قوله: وَاتَّبَعَ هَواهُ بالواو دون الفاء إذ لو كان اتباع الهوى من نتيجة خلق الغفلة في القلب لقيل «فاتبع» بالفاء. ويمكن أن يجاب بأنه لا يلزم من كون الشيء في نفس الأمر نتيجة لشيء أن يعتبر كونه نتيجة له والفاء من لوازم الثاني دون الأول، على أن الملازمة بين الغفلة عن ذكر الله وبين متابعة الهوى غير كلية، فقد يكون الإنسان غافلا عن ذكر الله ومع ذلك لا يتبع هواه بل يبقى متوقفا متحيرا وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً أي متجاوزا عن حد الاعتدال من قولهم «فرس فرط» إذا كان متقدما للخيل، ويلزم منه أن يكون نابذا للحق وراء ظهره. وأنت إذا تأملت وجدت حال الأغنياء المتحيرين بخلاف الفقراء المؤمنين، لأن هؤلاء الفقراء يدعون ربهم بالغداة والعشى ابتغاء وجه الله وطلبا لمرضاته فأقبلوا على

<<  <  ج: ص:  >  >>