للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْقَوْلِ

أن يظهر شيء من صفاتك بالقول فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وهو ما يظهر من سيرتك وَأَخْفى هو ما أخفى الله من خفيك. والسر في اصطلاح الصوفية لطيفة بين القلب والروح، وهو معدن الأسرار الروحانية. والخفي لطيفة بين الروح والحضرة الإلهية وهو مهبط أنوار الربوبية وأسرارها وجملتها المعقولات، وقد يحصل لكل إنسان عند نشأته الأولى وإن كان كافرا. والأخفى لطيفة بين الروح والحضرة الإلهية ويكون عند نشأته الأخرى ولا يحصل إلا لمؤمن موحد صار مهبط الأنوار الربانية وجملتها المشاهدات والمكاشفات وحقائق العلوم اللدنية، ولهذا قال عقيبه اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لأن مظهر الألوهية وصفاته العليا وأسمائه الحسنى هو الخفي الذي لا شيء أقرب إلى الحضرة منه إلا وهو سر وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها [البقرة: ٣١] وهو حقيقة

قوله «إن الله خلق آدم فتجلى فيه»

وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى القلب إِذْ رَأى ناراً [طه: ١٠] وهو نور في الحقيقة مأنوس به من جانب طور الروح فَقالَ لِأَهْلِهِ وهم النفس وصفاتها امْكُثُوا في ظلمة الطبيعة الحيوانية إِنِّي آنَسْتُ نار المحبة التي لا تبقى ولا تذر من حطب الوجود المجازي شيئا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ يخرجكم من ظلمات الطبيعة إلى أنوار الشريعة أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً بآداب الطريقة إلى الحقيقة فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ من شجرة القدس بخطاب الإنس فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ أي اترك الالتفات إلى الزوجة والولد فإن النعل يعبر في الرؤيا بهما، أو اترك الالتفات إلى الكونين إنك واصل الى جناب القدس، أو هما المقدمتان في نحو قولنا «العالم محدث وكل محدث فله محدث وموجد» وذلك أنه إذا غرق في لجة العرفان بقيت المقدمات على ساحل الوسائل وَأَنَا اخْتَرْتُكَ يا موسى القلب من سائر خلق وجودك من البدن والنفس والسر والروح فَاسْتَمِعْ بسمع الطاعة والقبول إنني لما تجليت بأنانية الوهيتي لأنانية وجودك المجازي لا يبقى إلا أنا فَاعْبُدْنِي بإفناء وجودك وأدم المناجاة معي لنيل ذكري إياك بالتجلي. إن قيامة العشق آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لعظم شأنها إلا أن متقاضى الكرم اقتضى إظهارها لأخص عبيدي لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى في العبودية من الروح والسر والقلب والنفس والقالب فلما كان سعي الروح بحب الوطن الأصلي للرجوع إليّ أمكن إضافة وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [ص: ٧٢] فجزاؤه من تجلي صفات الجلال بانعدام الناسوتية في اللاهوتية وكان سعي السعي بالخلو عن الأكوان لقبول فيض المكون فجزاؤه بإفاضة الفيض الإلهي عليه. وسعي القلب بقطع تعلقات الكونين لتصفيته وقابليته لتجلي صفات الجمال والجلال، فجزاؤه بدوام التجلي وأن يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه من الشراب الطهور الذي يزيل لوث الحدوث عن لوح القلوب لكشف

<<  <  ج: ص:  >  >>