للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ

[الغاشية: ١٧] وسخر لهم الدواب، وغيرها وسخر لهم الفلك حال كونها جارية بأمره وهو تهيئة الأسباب المعاونة ودفع الأشياء المضادة لسهولة جريها. ولا ريب أن الانتفاع بالأرضيات لا يتأتى إلا بعد الأمن من وقوع السماء على الأرض، فمنّ الله تعالى على المكلفين بأن حفظها كيلا تقع أو كراهة أن تقع على الأرض وذلك بمحض الاقتدار عند أهل الظاهر، أو بأن جعل طبعها هو الإحاطة بما في ضمنها إذ لا خفة فيها ولا ثقل ولهذا خصت بالحركة على المركز. وفي قوله إِلَّا بِإِذْنِهِ إشارة إلى أن الأفلاك ستنخرق وتنشق فتقع على الأرض، ويحتمل أن يقال: توقيف الوقوع على الإذن لا يوجب حصول الإذن، فالانخراق والانشقاق لا يستفاد من هذه الآية. ثم ذكر الإنسان مبدأه ومعاده فقال وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ نظيره قوله في أول البقرة كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ [الآية:

٢٨] وقد سبق هنالك. وفي قوله إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ زجر لهم عن الكفران بطريق التوبيخ. وعن ابن عباس أنه الكافر. وبعضهم جعله أخص فقال: هو أبو جهل وأضرابه، والأولى إرادة الجنس، ثم عاد إلى بيان أن أمر التكاليف مستقر على ما في هذه الشريعة فقال لِكُلِّ أُمَّةٍ الآية. قال في الكشاف: إنما فقد العاطف هاهنا بخلاف نظرائها في السورة لأن تلك مناسبة لما تقدمها وهذه مباينة لها. قلت: وذلك لأن من هاهنا إلى آخر السورة عودا بعد ذكر المعاد إلى الوسط الذي هو حالة التكليف، والأقرب أن المنسك في هذه الآية هو الشريعة كقوله لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً [المائدة: ٤٨] وهو قول ابن عباس في رواية عطاء. وقيل: أراد مكانا معينا وزمانا لأداء الطاعات. وقال مجاهد: هو الذبائح ولا وجه للتخصيص هاهنا والأمة أعم من أن تكون قد بقيت آثارهم أو لم تبق. أما الضمير في قوله فَلا يُنازِعُنَّكَ فلا بد من رجوعه إلى الأمم الباقية آثارهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الزجاج: إنه نهي له عن منازعتهم كما تقول «لا يضاربنك فلان» أي لا تضار به. وذلك أن المفاعلة تقتضي العكس ضمنا. وقال في الكشاف: هو نهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي لا تلتفت إلى قولهم ولا تمكنهم من أن ينازعوك، أو هو زجر لهم عن التعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنازعة في أمر الدين وكانوا يقولون في الميتة «ما لكم تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتله الله» . ومنه يعلم استقرار أمر الديانة على هذه الشريعة وأن على كل أمة من الأمم التي بقيت منها بقية أن يتبعوه ويتركوا مخالفته فلذلك قال: وَادْعُ إِلى رَبِّكَ أي لا تخص بالدعوة أمة دون أمة فإن كلهم أمتك إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ أي على دين وسط ودليل ظاهر. وإن أبوا إلا الجدال فكل أمرهم إلى الله قائلا اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ وفيه وعيد وإنذار مخلوط برفق ولكن اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ أي يفصل بين المؤمنين والكافرين منكم، ويحتمل أن يكون من تتمة المقول وأن يكون ابتداء خطاب من الله سبحانه للأمم. أَلَمْ تَعْلَمْ خطاب لكل

<<  <  ج: ص:  >  >>