للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي أبحت لك نعيم الجنة بما فيها وما كان لك فيها حق لأنك ما عملت بعد عملا تستحق به الجنة فأعطني هذه الشجرة الواحدة منها وهي كلها لي وأنا خلقتها، فإن طمعت فيها أيضا فاعلم أن الإنسان له همة عالية وحرص شديد لا يزال تقول جهنم حرصه «هل من مزيد» ولا تمتلىء حتى يضع الجبار فيها قدمه أي سابقة رحمته وعنايته

«سبقت رحمتي غضبي» «١» .

ثم إنه أبيح له ولزوجه مشتهيات النفس كلها فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وقيل لهما اقتنعا بها ولا توقدا نار الفتنة على أنفسكما، ولا تصبا من قربة المحبة ماء المحنة على رأسكما، ولا تقربا شجرة المحبة وقد غرست لأجله في الحقيقة يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة: ٥٤] . ولكن سبب النهي هو الدلال الذي يقتضيه غاية الجمال. وأيضا لو لم ينه عنها فلعله ما فرغ لها لكثرة أنواع المرادات النفسانية وكانت المحبة غذاء روحانيا فذكرها كان كالتحريض عليها فإن الإنسن حريص على ما منع وأيضا إنه تعالى وسع أسباب الانبساط أولا ثم ضيق عليه الأمر آخرا.

وأدنيتني حتى إذا ما فتنتني ... بقول يحل العصم سهل الأباطح.

تجافيت عني حين لالي حيلة ... وغادرت ما غادرت بين الجوانح.

خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وأسكنه الجنة في جواره وزوجه حواء حتى شاهد جمال الحق في مرآة وجهه، وأنبت شجرة المحبة بين يديه ثم منعه عنها وكان في ذلك المنع تذكير وتحريض. أيضا كما مر ثم عاتبه بقوله فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ وهذا كما أسكر موسى بأقداح الكلام وأذاقه لذة شراب السماع وقربه نجيا حتى اشتاق إلى جماله وطمع في وصاله وقال رَبِّ أَرِنِي [الأعراف: ١٤٣] عاتبه بسطوة لَنْ تَرانِي [الأعراف: ١٤٣] وذلك أن البلاء والولاء توأمان والمحبة والمحنة رضيعا لبان، والمطلوب كلما كان أرفع كان أعز وأمنع والجمال لا بد له من الدلال، وبه يتميز العاشق الصادق من المدعي المختال. فَلَمَّا ذاقَا شجرة الغرام خرجا من دار السلام فما لأهل الغرام ودار السلام؟ وأين الفارغ السالي من المحب الغالي؟

فبتنا على رغم الحسود وبيننا ... حديث كطيب المسك شيب به الخمر.

فلما أضاء الصبح فرق بيننا ... وأي نعيم لا يكدره الدهر؟.


(١) رواه البخاري في كتاب التوحيد باب ١٥، ٢٢. مسلم في كتاب التوبة حديث ١٤- ١٦. الترمذي في كتاب الدعوات باب ٩٩. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب ١٣. أحمد في مسنده (٢/ ٢٤٢، ٢٥٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>