للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مدة التكليف. والنذير المنذر أو الإنذار كالنكير. قالت المعتزلة: لو لم يرد الإيمان من الكل لم يكن الرسول نذيرا للكل. وعورض بنحو قوله وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ [الأعراف: ١٧٩] والإنذار الموجب للخوف لا ينافي وصفه تعالى بالبركة والخير لأن النظر على السعادات الأخروية التي تحصل بالإنذار على فوات بعض اللذات العاجلة. ثم وصف ذاته بصفاته الأربع أولها الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وفيه تنبيه على افتقار الكل إليه في الوجود وفي توابعه من البقاء وغيره. الثانية وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وفيه رد النصارى واليهود الثالثة وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وفيه رد على سائر المشركين من الثنوية والوثنية وأرباب الشرك الخفي أيضا، ولكنه صرح بهذا الأخير في الصفة الرابعة وهي قوله وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً قال جار الله: المعنى أنه أحدث كل شيء إحداثا مراعى فيه التقدير والتسوية والتهيئة لما يصلح له، أو المراد بالخلق الإيجاد من غير نظر إلى وجه الاشتقاق وهو ما فيه من معنى التقدير لئلا يلزم التكرار فكأنه قيل: أوجد كل شيء فقدره في إيجاده لم يوجده متفاوتا، أو أحدثه فقدره للبقاء إلى أمد معلوم. وعندي أن الكلام محمول على القلب الذي يشجع عليه أمن الإلباس أي قدره في الأزل تقديرا فخلفه في وقته موافقا لذلك التقدير.

والبحث فيه بين المعتزلة والأشاعرة كما مر في قوله اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الزمر: ٦٢] ثم صرح بتزييف مذاهب عبدة الأوثان قائلا وَاتَّخَذُوا الآية. وحاصله أن إله العالم يجب أن يكون أقدر الأشياء وأشرفها لا أعجزها وأخسها وهو الجماد بل الملائكة والمسيح لأنه لا قدرة لهم على الإيجاد والتصرف في شيء إلا بإذن الله، فتكون الآية ردا على الكل. وإنما قال في هذه السورة مِنْ دُونِهِ لتقدم الذكر مفردا وفي مريم ويس مِنْ دُونِ اللَّهِ [يس:

٧٤ ومريم: ٤٨] لأن ما قبلهما بلفظ الجمع تعظيما فلن يكن بد من التصريح.

وحين فرغ من بيان التوحيد ونفي الأنداد شرع في شبهات منكري النبوة والأجوبة عنها.

فالشبهة الأولى قولهم إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ أرادوا أنه كذب في نفسه أو أرادوا أنه كذب في إضافته إلى الله تعالى. وقوله وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ نظير قوله تعالى إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي [النحل: ١٠٣] وقد مر ما قيل في سبب نزوله في النحل فأجاب الله تعالى عن شبهتهم بقوله فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً أي أتوهما فانتصب بوقوع المجيء عليه.

وعن الزجاج أنه انتصب بنزع الخافض أي أتوا بالظلم والزور. فالظلم هو أنهم نسبوا هذا الفعل الشنيع وهو الافتراء على الله. إلى من هو عندهم في غاية الأمانة والصدق، والزور وهو انحرافهم عن جادة العدل والإنصاف، فلو أنصفوا من أنفسهم لعلموا أن العربي لا

<<  <  ج: ص:  >  >>