للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعلم العبد أن الحادثات بأسرها مستندة إلى تكوين الله وتخليقه وهذا القدر من أصول الإيمان وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة: ٢٣] وما زاد على هذا القدر من سكون القلب وزوال الانزعاج والاضطراب فإنه مقام أرباب الأحوال وأصحاب الكمال.

وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ أي بما حمد به نفسه

كقوله «أنت كما أثنيت على نفسك» «١»

والقديم لا يليق به إلا الحمد القديم وَزادَهُمْ نُفُوراً لأن الرحمن أقبل عليهم بقهره ولو كان أقبل عليهم بلطفه لخضعوا واستكانوا. تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ في سماء القلوب بروج المنازل والمقامات وهي اثنا عشر: التوبة والزهد والخوف والرجاء والتوكل والصبر والشكر واليقين والإخلاص والتسليم والتفويض والرضا وهي منازل الأحوال السيارة شمس التجلي وقمر المشاهدة وزهرة الشوق ومشتري المحبة وعطارد الكشوف ومريخ الفناء وزحل البقاء. وهو الذي جعل ليل السر ونهار التجلي خلفة رعاية لحقوق القلب وحظوظ النفس، إن أراد أن يتعظ عند السر أو أراد شكورا عند التجلي وَعِبادُ الرَّحْمنِ دون الشيطان والدنيا والهوى والنفس يمشون في أرض الوجود عند السير إلى الله هونا لئلا يتأذى بإثارة غبار صفات بشريتهم أحد وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ وهم كل ما سوى الله من الدنيا والآخرة وما فيهما من اللذة والنعيم قالُوا سَلاماً سلام مودّع وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ لا لحظ أنفسهم في الرواح ساجدون وفي الصباح واجدون. وأحسن الأشياء ظاهر بالسجود وباطن في الوجود مزين، ومع هذه الأحوال والمقامات يقفون في موقف الاعتذار والتذلل قائلين رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ القطيعة والبعد إذا أفنوا وجودهم في ذات الله وصفاته لم يبالغوا في الرياضة إلى حد تلف البدن وَلَمْ يَقْتُرُوا في بذل الوجود بالركون إلى الشهوات لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ بأن لا يرفعوا حوائجهم إلى الأغيار، ولا يشوبون أعمالهم بالرياء والسمعة ولا يحبون مع الله غيره وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ قتلها بكثرة المجاهدة إلا بسطوات تجلي صفات الحق في مثل هذا القتل حياة أبدية وَلا يَزْنُونَ بالتصرف في عجوز الدنيا بغير إذن الله يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ وهو عذاب النيران وعذاب الحرمان عن نعيم الجنان ومن قرب الرحمن إِلَّا مَنْ تابَ من عبادة الدنيا وهوى النفس. وَآمَنَ بكرامات الأولياء ومقامات الأصفياء وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً هو الإعراض عن غير الله وهو الإكسير الأعظم الذي لو طرح ذرة منه على ملء الأرض سيئة يبدلها إبريز الحسنات. وَمَنْ تابَ


(١) رواه مسلم في كتاب الصلاة حديث ٢٢٢. أبو داود في كتاب الصلاة باب ١٤٨. النسائي في كتاب قيام الليل باب ٥١. الترمذي في كتاب الدعوات باب ٧٥. ابن ماجة في كتاب الدعاء باب ٣.
الموطأ في كتاب مسّ القرآن حديث ٣١. أحمد في مسنده (١/ ٩٦، ١١٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>