للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مفعول به، ويجوز أن يكون في موضع مصدر أي قليلا من الجزاء مثل «ولا تظلمون شيئا» .

ومعنى تنكير النفس أن نفسا من الأنفس لا تجزي عن نفس منها شيئا من الأشياء وهو الإقناط الكلي القاطع للمطامع. وكذلك قوله وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ أي فدية لأنها معادلة للمفدى.

وفي الحديث «لا يقبل منه صرف ولا عدل»

أي توبة، لأنها تصرف من الحال الذميمة إلى الحال الحميدة ولا فداء. والضمير في وَلا يُقْبَلُ مِنْها يرجع إلى النفس الثانية العاصية غير المجزي عنها وهي التي لا يؤخذ منها عدل. ومعنى لا تقبل منها شفاعة أنها إن جاءت بشفاعة شفيع لم يقبل منها، ويجوز أن يرجع إلى النفس الأولى على أنها لو شفعت لها لم تقبل شفاعتها، كما لا تجزي عنها شيئا ولو أعطت عدلا منها لم يؤخذ منها ولا هم ينصرون، الضمير عائد إلى ما دلت عليه النفس المنكرة من النفوس الكثيرة، والتذكير بمعنى العباد أو الأناسي مثل ثلاثة أنفس. وفي وصف اليوم بهذه الصفات تهويل عظيم تنبيه على أن الخطب شديد، لأنه إذا وقع أحد في كريهة وحاولت أعزته دفاع ذلك عنه، بدأت بما في نفوسها الأبية من مقتضى الحمية، فتحمل عنه ما يلزمه وتذب عنه كما يذب الوالد عن ولده بغاية قوّته ونهاية بطشه. فإن رأى من لا طاقة له بممانعته عاد بوجوه الضراعة وصنوف الشفاعة وبذل المال والمنال، فحاول بالملاينة ما قصر عنه بالمخاشنة، فإن لم تغن هذه الأمور تعلل بما أمكنه من نصر الإخوان ومدد الأخدان، فأخبر الله تعالى أن شيئا من هذه لا يدفع يومئذ عن عذابه. وفي هذا تحذير من المعاصي وترغيب في تلافي ما فات بالتوبة، لأنه إذا تصور أنه ليس بعد الموت استدراك ولا شفاعة ولا نصرة ولا فدية، علم أنه لا ينفعه إلا الطاعة وتلافي البوادر. فالآية وإن كانت في بني إسرائيل إلا أنها تعم كل من يحضر ذلك اليوم. فإن قيل: قدم في هذه الآية قبول الشفاعة على أخذ الدية، وفي موضع آخر من هذه السورة عكست القضية، فما الحكمة في ذلك؟ قلنا: من الناس من ميله إلى حب المال أشدّ من ميله إلى علو النفس فيتمسك أوّلا بالشفيع ثم يستروح إلى بذل المال، ومنهم من على العكس فيقدم الفدية على الشفاعة، فتغيير الترتيب إشارة إلى الصنفين والله أعلم.

واعلم أن الشفاعة هي أن يستوهب أحد لأحد شيئا ويطلب له حاجة من الشفع ضد الوتر، كأن صاحب الحاجة كان فردا فصار بالشفيع شفعا. ثم إن الأمة أجمعت على أن لمحمد صلى الله عليه وسلم رتبة الشفاعة في الآخرة، وعليه يحمل قوله تعالى عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [الاسراء: ٧٩] وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى [الضحى: ٥] . وأجمعوا على أنه لا شفاعة للكفار. بقي الخلاف فيمن عداهم. فأهل السنة أثبتوا الشفاعة لغير الكفار،

<<  <  ج: ص:  >  >>