للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العهود والمواثيق وَما كُنْتَ مقيما فِي أَهْلِ مَدْيَنَ كشعيب وموسى، إذ أخذت منهما الميثاق أن يؤمنا بك وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ للرسل الذين أخذنا الميثاق منهم. ولولا أن تصيبهم التقدير، ولولا أن مقتضى العناية الأزلية في حق هذه الأمة ودفع حجتهم علينا فإنا ناديناهم وهم في العدم فأسمعناهم نداءنا ولم نوفقهم للإجابة فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ يعني محمدا. وفيه أن له رتبة أن يقول أنا الحق لفنائه عن نفسه بالكلية وبقائه بربه وكل من سواه فليس له أن يقول ذلك إلا بطريق المتابعة لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ لو لم يكونوا محتجبين بكفرهم عن رؤية كماله لقالوا: لولا أوتي مثل ما أوتي محمد من مقام المحبة ومقام لي مع الله وقت بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما يعني الكتاب المشتمل على العلم اللدني فإنه أهدى إلى الحضرة من الكتب الموقوفة على السماع والمطالعة، ومن لم تكن له هذه الرتبة فإنه محجوب عن الحضرة بهوى نفسه كما قال فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ حقيقة الْكِتابَ في عالم الأرواح مِنْ قَبْلِهِ نزوله في عالم الأشباح هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ في عالم الصورة ولهذا قالوا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ولذلك قال يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ أي في العالمين بِما صَبَرُوا على مخالفات الهوى وموافقات الشرع وَيَدْرَؤُنَ بالأعمال الصالحات ظلمة المعاصي، أو بحسنة الذكر صدأ حب الدنيا عن مرآة القلوب، أو بحسنة نفي ما سوى الله شرك الوجود المجازي وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ من الوجود المجازي يُنْفِقُونَ في طلب الوجود الحقيقي: وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ وهو طلب ما سوى الله أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا في طلب الوجود الحقيقي وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ في طلب الفاني إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وذلك أن للقلب بابين: أحدهما إلى النفس والجسد وهو مفتوح أبدا، والآخر إلى الروح والحضرة وهو مغلوق لا يفتحه إلا الفتاح الذي بيده كل مفتاح كما قال أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها [محمد: ٢٤] وقال: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً [الفتح: ١] وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ الذين أصابهم رشاش النور وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ

بجذبات الألوهية من أرض الأنانية أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً في مقام الهوية يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ حقائق كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً من العلوم اللدنية وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ذوق العلم اللدني لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا أي لم تسكن في قرى القلوب الفاسد استعدادها إِلَّا قَلِيلًا من نور الإسلام بعبور الخواطر الروحانية في الأحايين وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ بأن رجع نور الإسلام إلى الحضرة بعد فساد الاستعداد حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها أي روحها لأن القلب من متولدات الروح رَسُولًا من وارد نفحات الحق الوعد الحسن للعوام الجنة، وللخواص الرؤية وللأخص الوصول والوصال كما

أوحى إلى عيسى «تجوّع ترنى تجرد تصل إلي»

أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا راعوا

<<  <  ج: ص:  >  >>