للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للتعظيم أي لا يعظم الله ولا يجل من الرجال إلا العلماء به. ثم بين السبب الباعث على الخشية بقوله إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ فالعزة توجب الخوف من أليم عقابه والمغفرة توجب الطمع في نعيمه وثوابه، وفيه أن خوف المؤمن ينبغي أن يكون مخلوطا برجائه. ثم مدح العالمين العاملين بقوله إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ الآية. قال أهل التحقيق: قوله إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ إشارة إلى عمل القلب، وقوله إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ أي يداومون على التلاوة إشارة إلى عمل اللسان. وقوله وَأَقامُوا الصَّلاةَ إشارة إلى عمل الجوارح، والكل أقسام التعظيم لأمر الله.

ثم أشار إلى الشفقة على خلق الله بقوله وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ وقوله يَرْجُونَ وهو خبر «إن» إشارة إلى الإخلاص في العقائد والأعمال أي ينفقون من الأموال لا ليقال إنه كريم أو لغرض آخر بل لتجارة لا كساد فيها ولا بوار وهي طلب مرضاة الله. وقوله لِيُوَفِّيَهُمْ متعلق ب لَنْ تَبُورَ أي تنفق عند الله ليوفيهم بنفاقها عنده أجورهم. وجوّز جار الله أن يجعل يَرْجُونَ في موضع الحال واللام متعلق بالأفعال المتقدّمة أي فعلوا جميع ما ذكر من التلاوة والإقامة والإنفاق لغرض التوفية. وخبر «إن» قوله إِنَّهُ غَفُورٌ لهم شَكُورٌ لأعمالهم. وحين ذكر دلائل الوحدانية أتبعه بيان الرسالة وذكر حقيقة الكتاب المتلوّ والكتاب للجنس ف «من» للتبعيض أو هو القرآن، و «من» للتبيين أو هو اللوح المحفوظ و «من» للابتداء وقد مرّ في البقرة أن قوله مُصَدِّقاً حال مؤكدة. وفي قوله إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ تقرير لكونه حقا لأن الذي يكون عالما بالبواطن والظواهر لم يمكن أن يكون في كلامه شوب باطل. وفيه لم يختر محمدا للرسالة جزافا وعلى سبيل الاتفاق ولكنه أعلم حيث يجعل رسالته. قوله ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ زعم جمع من المفسرين أن الكتاب للجنس بدليل قوله فيما قبل جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ والإيراث الإعطاء، والمصطفون من عبيده هم الأنبياء كأنه قال: علمنا البواطن وأبصرنا الظواهر فاصطفينا عبادا ثم أورثناهم الكتاب. وعلى هذا فالمراد بالظلم على النفس وضع الشيء في غير موضعه وإن كان بترك الأولى ومنه قول أبينا آدم رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا [الأعراف: ٢٣] وقول يونس إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء: ٨٧] وإذا كان الظلم بهذا المعنى جائزا عليهم فالاقتصاد أولى. ويجوز أن يعود الضمير في قوله فَمِنْهُمْ إلى الأمة كأنه قيل: إن الذي أوحينا إليك هو الحق وأنت المصطفى كما اصطفينا رسلنا، وآتيناهم كتبا فمن قومك ظالم كفر بك وبما أنزل إليك، ومقتصد آمن به ولم يأت بجميع ما أمر به، وسابق آمن وعمل صالحا. وقال أكثرهم: إنه القرآن والإيراث الحكم بالتوريث أو هو على عادة إخبار الله في التعبير عن المستقبل بالماضي لتحققه أي نريد أن نورثه. والمصطفون هم الصحابة والتابعون ومن بعدهم إلى يوم القيامة كقوله كُنْتُمْ خَيْرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>