للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصول الدين أو على التصلب في الدين. وقال الكلبي: واختاره الفراء إنه يعود إلى محمد أي هو على منهاجه ودينه وإن كان إبراهيم سابقا والأوّل أظهر لتقدّم ذكر نوح. ولما روي عن ابن عباس معناه من أهل دينه وعلى سنته وما كان بين نوح وإبراهيم إلا نبيان: هود وصالح، وبين نوح وإبراهيم ألفان وستمائة وأربعون سنة. ومعنى جاءَ رَبَّهُ أقبل بقلبه على الله وأخلص العمل له. والقلب السليم قد مرّ في «الشعراء» . ثم ذكر من جملة آثار سلامة قلبه أن دعا أباه وقومه إلى التوحيد. ومعنى ماذا تَعْبُدُونَ أي شيء تعبدونه كقوله في «الشعراء» ما تَعْبُدُونَ [الآية: ٧٠] سألهم عن جنس معبوديهم ثم وبخهم على ذلك بقوله أَإِفْكاً هو مفعول له قدم للعناية كما قدم المفعول به على الفعل لذلك فإنه كان الأهم عنده أن يكافحهم ويعنفهم على شركهم وأنهم على إفك وباطل. ويجوز أن يكون إِفْكاً حالا معنى أو مفعولا به وآلِهَةً بدل منه على أنها إفك في أنفسها. فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ حتى جعلتم الجمادات أندادا له أو حسبتم أنه يهمل أمركم ولا يعاقبكم، وفيه أنه لا يقدر في وهم ولا ظن ما يصدر عن عبادته. وفي قوله إِنِّي سَقِيمٌ قولان:

الأوّل أنه صدر منه كذبا لمصلحة رأى فيه، ولما

جاء في الحديث «لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات» : قوله: «إِنِّي سَقِيمٌ وقوله بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ وقوله لسارة إنها أختي» «١»

وقد سبق تقرير ذلك في الأنبياء. الثاني وهو الأقوى أنه كلام صادق لأن الكذب قبيح وإن اشتمل على مصلحة. وأما الحديث فنسبة الراوي إلى الكذب أولى من نسبة نبي الله إلى ذلك. وفي التوجيه وجوه: الأوّل: إن النظر في النجوم يريد به النظر في علم النجوم وأحكامها وكتبها وذلك ليس بحرام ولا سيما في ذلك الشرع فليس فيه إلا اعتقاد أنه تعالى خص كل واحد من الكواكب بقوّة وخاصية يظهر بها منه أثر مخصوص، والإنسان لا ينفك في أكثر أحواله عن حصول حالة مكروهة له، إما في بدنه أو في قلبه، فلعل به سقما كالحمى الثابتة، أو أراد سيسقم لأمارة نجومية، أو أراد به الموت الذي يلحقه لا محالة ولاداء أعي منه. الثاني: أن المراد بالنجوم ما جاء في قوله فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً إلى آخر الآية. أي نظر فيها ليعرف أحوالها وأنها قديمة أو محدثة. وقوله إِنِّي سَقِيمٌ أي سقيم القلب غير عارف بربي وكان ذلك قبل البلوغ، أو سقيم النفس لكفركم. الثالث: إن النجوم النبات أي فنظر فيها متحريا منها ما فيه شفاء لسقمهم وهمهم أن به ذلك وكان به. وقال الأزهري عن أحمد بن يحيى: النجوم جمع نجم وهو كل ما تفرق ومنه نجوم الكتابة أي نظر في متفرقات


(١) رواه البخاري في كتاب الأنبياء باب ٨. مسلم في كتاب الفضائل حديث ١٥٤. أبو داود في كتاب الطلاق باب ١٦. الترمذي في كتاب تفسير سورة ٢١ باب ٣. أحمد في مسنده (٢/ ٤٠٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>