للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنكارا عليهم أن يفتحوا عليهم شيئا في كتابهم فينافقون المؤمنين وينافقون اليهود لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ ليحتجوا عليكم بما أنزل ربكم في كتابه. جعلوا محاجتهم به وقولهم «هو في كتابكم هكذا» محاجة عند الله. ألا تراك تقول: هو في كتاب الله كذا وهو عند الله كذا بمعنى واحد؟ وعن الحسن: ليحاجوكم في ربكم لأن المحاجة فيما ألزم تعالى من اتباع الرسل محاجة فيه أي دينه. وقال الأصم: يحاجوكم يوم القيامة عند المساءلة فيكون زيادة في توبيخكم، فكان القوم يعتقدون أن ذلك مما يزيد في فضيحتهم في الآخرة.

وقيل: ليحاجوكم به على وجه الديانة والنصيحة، لأن من يذكر الحجة على هذا الوجه قد يقول لصاحبه: أزحت علتك عند الله وأقمت عليك الحجة بيني وبين ربي، فإن قبلت أحسنت إلى نفسك، وإن جحدت كنت الخاسر الخائب. وقيل: لتصيروا محجوجين بتلك الدلائل في حكم الله كما يقال: فلان عندي عالم أي في اعتقادي وحكمي. وهذا عند الشافعي كذا، وعند أبي حنيفة كذا أَفَلا تَعْقِلُونَ أن ذلك لا يليق بما أنتم عليه فإنكم إذا حدثتموهم بالذي يحاجونكم به رجع وباله عليكم أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ جميع ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ ومن ذلك إسرارهم الكفر وإعلانهم الإيمان، خوّفهم الله تعالى بذلك لأنهم كانوا يعرفون أن الله يعلم السر والعلانية وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يحسنون الكتب فيطالعوا التوراة ويتحققوا ما فيها كأنه منسوب إلى الأم وهو أصل الشيء، فالأمي على أصل فطرته لم يكتسب علما وكتابة لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ التوراة إِلَّا أَمانِيَّ وأحدها أمنية على أفعولة من مني إذا قدر. تقول: منه تمنيت الشيء ومنيته غيري تمنية، لأن المتمني يقدر في نفسه ويجوّز ما يتمناه، وأماني اليهود هي أن الله يعفو عنهم ويرحمهم ولا يؤاخذهم بخطاياهم، وأن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم، وما يمنيهم الأحبار من أن النار لا تمسهم إلا أياما معدودة. وقيل: الأماني الأكاذيب المختلفة التي سمعوها من علمائهم فقبلوها على التقليد.

يقال: أهذا شيء رويته أم تمنيته أم اختلقته؟ وذلك أن المختلق يقدر أن كلمة كذا بعد كذا.

وفي الصحاح أنه مقلوب المين وهو الكذب. وقيل: إلا ما يقرأون من قولهم «تمنيت الكتاب قرأته» قال الشاعر يرثي عثمان:

تمنى كتاب الله أوّل ليلة ... وآخرها لا في حمام المقادر

والقارئ مقدر الكلمات كالمختلق، وعلى هذا يكون الاستثناء متصلا كأنه قيل: لا يعلمون الكتاب إلا بقدر ما يتلى عليهم فيسمعونه، وبقدر ما يذكر لهم فيقبلونه. ثم إنهم لا يتمكنون من التدبر والتأمل، وعلى الأول يكون استثناء منقطعا. ومن قرأ أَمانِيَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>