للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاهتمام بمعرفته. والوقوف على معانيه بيانه أن كونه نازلا من الرحمن الرحيم دليل على أن تنزيله رحمة للعالمين، وفيه شفاء لأمراض القلوب، وكونه كتابا. والتركيب يدور على الجمع كما سبق في أول الكتاب يدل على أن فيه علوم الأوّلين والآخرين. وقوله فُصِّلَتْ آياتُهُ دليل على أنه في غاية الكشف والبيان وكونه قُرْآناً عَرَبِيًّا ولغة العرب أفصح اللغات مما يوجب أن تتوفر عليه الرغبات ولا سيما للعرب ومن داناهم. وكونه بَشِيراً وَنَذِيراً يدل على أن الاحتياج إليه من أهم المهمات لأنه سعي في معرفة ما يوصل إلى الثواب الأبديّ، ويخلص من العقاب السرمدي. فإذا علم المخاطبون هذه الفوائد ثم أعرض أكثرهم عن القرآن ولم يسمعوه سماع قبول دل ذلك على أن المهديّ من هداه الله ومن يضلله فلا هادي له. ثم أكد بيان إعراضهم بقوله وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ ولا يخفى أنه سبحانه ذكر هذا في معرض الذم فوجه الجمع بينه وبين قوله وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً [الأنعام: ٢٥] هو أن الذم إنما يتوجه على اعتقادهم أنهم إذا كانوا كذلك لم يجز تكليفهم ولا خطابهم بالأمر والنهي، أو أنهم قالوا ذلك على سبيل الاستهزاء. قال جار الله: فائدة «من» في قوله وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ دون أن يقول «وبيننا» هو أن العبارة الثانية تدل على مطلق الحجاب، ولكن العبارة الواردة في القرآن تفيد أن المسافة التي بينهم وبين رسول الله مملوءة من الحجاب لا فراغ فيها كأنه قيل: إن الحجاب ابتدأ منا ومنك. ثم حكى عنهم ما قالوا على سبيل التهديد أو التحلية فَاعْمَلْ أي على دينك أو في إبطال ديننا إِنَّنا عامِلُونَ على ديننا أو في إبطال أمرك. ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيب عن شبهتهم بقوله إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وتوجيه النظم إني لا أقدر أن أحملكم على الإيمان جبرا فإني بشر مثلكم ولا امتياز إلا أني أوحي إليّ التوحيد والأمر به، فعليّ البلاغ وحده. ثم إن قبلتم قولي أثابكم الله وإلا عاقبكم. قال في الكشاف: أراد إن نبوّتي صحت بالوحي وإذا صحت وجب اتباعي ومن جملة ذلك القول بالتوحيد. ثم بين أن خلاصة الوحي ترجع إلى أمرين: الاستقامة والإقامة على التوحيد المتوجهين إلى الله والاستغفار من تقصير قد يقع في الطاعة. ثم هددّ أهل الشرك بقوله وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ وقرن منع الزكاة بالكفر بالله أوّلا وبالآخرة ثانيا، لأن المال شقيق الروح، وبه وببذله في سبيل الله يعرف الموافق من المنافق، ففيه بعث شديد لأهل الإيمان على أداء الزكاة، وفيه أن الشفقة على خلق الله قرينة التعظيم لأمر الله. وقيل: كانت قريش يطعمون الحاج ولا يطعمون المؤمنين فنزلت قاله الفراء. وقيل: أراد بالزكاة هاهنا الإيمان لأنه يزكي النفس من دون الشرك. ثم ذكر جزاء المطيعين وهو ظاهر. والممنون المقطوع. وقيل: هو من المنة. قال جمع من المفسرين: نزلت في المرضى والزمنى والهرمى إذا عجزوا عن

<<  <  ج: ص:  >  >>