للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُبْحانَ وفي هذه السورة وفي الحشر والصف بلفظ الماضي. وفي الجمعة والتغابن بلفظ المستقبل، وفي سورة الأعلى بلفظ الأمر استيعابا للأقسام وذلك دليل على أن التسبيح لله تعالى مستمر دائم في الأوقات كلها من الأزل إلى الأبد. وتفسير أسماء الله الحسنى المذكورة في أول هذه السورة قد سبق في البسملة فلا حاجة إلى إعادة كلها إلا أننا نذكر ما أورده الإمام فخر الدين هاهنا على سبيل الإيجاز مع تنقيح ما يجب تنقيحه. قال:

هذا مقام مهيب والبحث فيه من وجوه: الأول أن تقدم الشيء على الشيء إما تقدم التأثير كتقدم حركة الإصبع على حركة الخاتم، وإما التقدم بالحاجة لا بالتأثير كتقدم الإمام على المأموم، أو معقول كما إذا جعلنا المبدأ هو الجنس العالي، وإما بالزمان كتقدم الأب على الابن قال: وتقدم بعض أجزاء الزمان على الزمان عندي ليس من هذه الأقسام الخمسة، أما التأثير والحاجة فلأنه لو كان كذلك لوجدا معا كما أن العلة والمعلول يوجدان معا وكذا الواحد والاثنان. وأما الشرف والمكان فظاهران، وأما بالزمان فإن الزمان لا يقع في الزمان وإلا تسلسل. قلت: لم لا يجوز أن يكون تقدم أجزاء الزمان بعضها على بعض بالحاجة أي بالطبع فإن الزمان كما لا يخفى حين كان كما متصلا غير قار الذات اقتضت حقيقته أن يكون له وجود سيال يعقب بعض أجزائه بعضا لا تنتهي النوبة إلى جزء مفروض منه إلا وقد انقضى منه جزء مفروض على الاتصال. وقال: إذا عرفت ذلك فنقول: القرآن دال على أنه تعالى قبل كل شيء والبرهان أيضا يدل على هذا لأن انتهاء الممكنات لا بد أن يكون إلى الواجب إلا أن تلك القبلية ليست بالتأثير لأن المؤثر من حيث هو مؤثر مضاف إلى الأثر من حيث هو أثر والمضافان معا، والمعي لا يكون قبل ولا بالحاجة لأنهما قد يكونان معا كما قلنا، ولا لمحض الشرف فإن تلك القبلية ليست مرادة هاهنا ولا بالمكان وهو ظاهر، ولا بالزمان لأن الزمان بجميع أجزائه ممكن الوجود، والتقدم على جميع الأزمنة لا يكون بالزمان فإذن تقدم الواجب تعالى على ما عداه خارج عن هذه الأقسام الخمسة وكيفيته لا يعلمها إلا هو. قلت: إنه سبحانه متقدم على ما سواه بجميع أقسام التقدمات الخمسة. أما بالتأثير فظاهر قوله والمضافان معا. قلنا: إن أردت من الحيثية المذكورة فمسلم ولا محذور.، وإن أردت مطلقا فممنوع. وأما بالطبع فلأن ذات الواجب من حيث هو لا تفتقر إلى الممكن من حيث هو وحال الممكن بالخلاف، وأما بالشرف فظاهر، وأما بالمكان فلأنه وراء كل الأماكن ومعها لقوله فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة: ١١٥]

وقد جاء في الحديث «لو أدليتم بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله» «١»


(١) رواه الترمذي في كتاب تفسير سورة ٥٧ أحمد في مسنده (٢/ ٣٧٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>