للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمزيد الانحراف عن الجادة، فالطاعة تجر الطاعة والمعصية تجر المعصية. قال بعض العلماء: إنما قال عيسى يا بَنِي إِسْرائِيلَ ولم يقل يا قوم كما قال موسى، لأنه لا نسب له فيهم. قلت: ممنوع لقوله تعالى في «الأنعام» وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ إلى قوله وَعِيسى [الآية: ٤٨] قال النحويون: قوله مُصَدِّقاً ومُبَشِّراً حالان والعامل فيهما معنى الإرسال في الرسول فلا يجوز أن يكون إِلَيْكُمْ عاملا لأنه ظرف لغو. عن كعب أن الحواريين قالوا لعيسى: يا روح الله هل بعدنا من أمة؟ قال: نعم أمة محمد حكماء علماء أبرار أتقياء كأنهم من الفقه أنبياء يرضون من الله باليسير من الرزق ويرضى الله منهم باليسير من العمل. قوله وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ نظير ما مر من قوله وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ففي كل منهما تعكيس القضية إذ جعل مكان إجابة النبي إلى الإسلام الذي فيه سعادة الدارين افتراء الكذب على الله وهو قولهم للمعجزات هي سحر، لأن السحر كذب وتمويه ولهذا عرف الكذب بخلاف آخر «العنكبوت» . ثم ذكر غرضهم من الافتراء بقوله يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا ولهذا خص هذه السورة باللام كأنه قال: يريدون الافتراء لأجل هذه الإرادة كما زيدت اللام في «لا أبالك» لتأكيد معنى الإضافة. وباقي الآيتين سبق تفسيره في «براءة» .

وإنما قال هاهنا وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ لمكان الفصل بالعلة كأنه قال: يريدون الافتراء لغرض إطفاء نور الله والحال أن الله متم نوره، وأما هنالك فإنه عطف قوله وَيَأْبَى على قوله يُرِيدُونَ.

ثم دل أهل الإيمان على التجارة الرابحة وهي مجاز عن وجدان الثواب على العمل كما قال إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى إلى قوله فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ [التوبة: ١١١] قال أهل المعاني:

فائدة إيقاع الخبر موقع الأمر هي التنبيه على وجوب الأمر وتأكيده كأنه أمتثل فهو يخبره به كأنه قيل: هل تتجرون بالإيمان؟ وعن الفراء أن قوله يَغْفِرْ لَكُمْ جواب هَلْ أَدُلُّكُمْ بتأويل أن متعلق الدلالة هو التجارة والتجارة مفسرة بالإيمان والجهاد فكأنه قيل: هل تتجرون بالإيمان والجهاد يغفر لكم ذلِكُمْ يعني ما ذكر من الإيمان والجهاد خَيْرٌ لَكُمْ من أموالكم وأنفسكم وهو اعتراض. وقوله إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ اعتراض زائد على اعتراض ومعناه إن كنتم تعلمون أنه خير لكم كان خيرا لكم لأن نتيجة الخير إنما تحصل بعد اعتقاد كونه خيرا. ثم قال وَلكم مع هذه النعم الآجلة نعمة أُخْرى عاجلة تُحِبُّونَها وهي فتح مكة كما قال وأثابكم فتحا قريبا [الفتح: ١٨] وعن الحسن: هو فتح فارس والروم.

قال في الكشاف: في قوله تُحِبُّونَها شيء من التوبيخ على محبة العاجلة. وعندي أنه سبحانه رتب أمرين على أمرين: المغفرة وإدخال الجنة على الإيمان، والنصر والفتح على

<<  <  ج: ص:  >  >>