للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجسامهم لطيفة أو كثيفة وسواء كانت أجزاؤهم صغارا أو كبارا. ثم الأمر بالخروج إليهم وقراءة القرآن عليهم لا أنه رآهم وعرف جوابهم. والله تعالى أوحى في هذه السورة. ومنهم من قال: البنية شرط وأنه لا بد من صلابة في البنية حتى يكون قادرا على الأفعال الشاقة.

ومن الأولين من جوز أن يكون المرئي حاضرا والشرائط حاصلة والموانع مرتفعة، ثم أنا لا نراه. وأعلم أن ما ذكرنا في تفسير الأحقاف عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم ما رأى الجن. وعن ابن مسعود أنه رآهم. فالجمع بين القولين أن ما ذكره ابن عباس لعله وقع أولا فأوحى الله إليه في هذه السورة أنهم قالوا كذا وكذا، أو رآهم وسمع كلامهم وآمنوا به، ثم رجعوا إلى قومهم وذكروا لقومهم على سبيل الحكاية إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً إلى آخره كقوله في «الأحقاف» فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ [الآية: ٢٩] أوحى الله تعالى إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ما جرى بينهم وبين قومهم. والفائدة فيه أن يعلم أنه مبعوث إلى الثقلين وأن الجن مكلفون كالأنس وأنهم يسمعون كلامنا ويفهمون لغاتنا، وأن المؤمن منهم يدعو سائرهم إلى الإيمان. وأجمع القراء على فتح أَنَّهُ اسْتَمَعَ لأنه فاعل أُوحِيَ وكذا على فتح وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا وَأَنَّ الْمَساجِدَ لأنه يعلم بالوحي فهما معطوفان على أَنَّهُ اسْتَمَعَ وأجمعوا على كسر إِنَّا في قوله إِنَّا سَمِعْنا لأنه وقع بعد القول. وفي البواقي خلاف، فمن كسر فمحمول على مقول القول وأنه صريح من كلام الجن، ومن فتح فعلى أنه فاعل أُوحِيَ ولا بد من تقدير ما في الحكاية ليكون حكاية كلام الجن كأنه قيل: وحكوا أنه تعالى جد ربنا إلى آخره إلا في قوله وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ فإنه كاللذين تقدماه يصح وقوعه فاعل أُوحِيَ من غير تقدير، وجوز صاحب الكشاف فيمن قرأ بفتح الكل في قوله وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا وكذلك البواقي أن يكون معناه صدقنا.

قلت: وفيه نظر لنبوه عن الطبع في أكثر المواضع إذ لا معنى لقول القائل مثلا: صدقنا أنا لمسنا السماء وصدقنا أنا لما سمعنا الهدى آمنا به. وبالجملة فكلامه في هذا المقام غير واضح ولا لائق بفضله. قوله سبحانه عَجَباً مصدر وضع موضع الوصف للمبالغة أي قرآنا عجبا بديعا خارجا عن حد أشكاله بحسن مبانيه وصحة معانيه يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ أي الصواب أو التوحيد والإيمان فَآمَنَّا بِهِ لأن الإيمان بالقرآن إيمان بكل ما فيه من التوحيد والنبوة والمعاد، ويجوز أن يكون الضمير لله لأن قوله وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا يدل عليه بعد دلالة الحال ولن نعود إلى ما كنا عليه من الشرك. ذكر الحسن أن فيهم يهود ونصارى ومجوسا ومشركين. قلت: ومما يدل على أن فيهم نصارى قوله تعالى وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا أي عظمته مكن قولهم «جد فلان في عيني» أي عظم. وفي حديث عمر كان الرجل منا إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>