للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ [الملك: ٢٣] أي لا أقنع منكم بهذا القدر من الشكر. وقيل:

معنى الآية ألهاكم حرصكم على تكثير أموالكم عن طاعة ربكم حتى أتاكم الموت وأنتم على ذلك، ويندرج فيه من يمنع الحقوق المالية إلى حين الموت ثم يقول: أوصيت لفلان بكذا ولفلان بكذا، واستدلوا عليه بما

روى مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «يا ابن آدم تقول مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت» «١»

ثم قرأ أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ أي حتى متم. وأورد عليه أن الزائر هو الذي يجيء ساعة ثم ينصرف. والميت يبقى في قبره مدة مديدة. وأيضا إن قوله زُرْتُمُ صيغة الماضي فكيف يحمل على المستقبل؟ ويمكن أن يجاب عن الأول بأن مدة اللبث في القبر بالنسبة إلى الأبد أقل من لحظة كما قال كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [الكهف: ١٩] وعن الثاني بأن المشرف على الموت كأنه على شفير القبر أو هو خبر عمن تقدمهم والخبر عنهم كالخبر عن متأخريهم لأنهم كانوا على طريقتهم. وقال أبو مسلم: إنه تعالى يتكلم بهذه السورة يوم القيامة تعييرا للكفار وهم في ذلك الوقت قد تقدمت منهم زيارة القبور. والمقابر جمع المقبرة فتحا أو ضما، والتاء فيه غير قياسي.

قالت العلماء: التكاثر مطلقا ليس بمذموم لأن التكاثر في العلم والطاعة والأخلاق الحميدة ليس بمذموم إذا كان المراد أن يقتدى به غيره كما مر في قوله وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى: ١١] وإنما المذموم ما يكون الباعث عليه الاستكبار وحب الجاه والغلبة والفخر بما لا سعادة حقيقية فيه، وليست السعادة الحقيقية إلا فيما يرجع إلى العلم والعمل أو إلى ما يعين عليهما من الأمور الخارجية. عن الحسن رضي الله عنه: لا تغرنك كثرة من ترى حولك فإنك تموت وحدك وتبعث وحدك وتحاسب وحدك، وتكرير الوعيد وهو سوف تعلمون للتأكيد. وقيل: الأول عند الموت حين يقال له لا بشرى. والثاني في سؤال القبر إذ يقال من ربك، وفيه دليل على عذاب القبر على ما روي عن علي عليه السلام: أو حين ينادي المنادي فلان شقي شقاوة لا سعادة بعدها أبدا، أو حين يقال وَامْتازُوا الْيَوْمَ [يس:

٥٩] وعن الضحاك: أراد سوف تعلمون أيها الكفار ثم كلا سوف تعلمون أيها المؤمنون، فالأول وعيد، والثاني وعد. وقيل: إن كل واحد يعلم قبح الكذب والظلم وحسن الصدق والعدل لكن لا يعرف مقدار آثارها ونتائجها فالله يقول سوف تعلمون علما تفصيليا


(١) رواه البخاري في كتاب الطلاق باب ٥٢، ٥٣. مسلم في كتاب اللعان حديث ٥. أبو داود في كتاب الطلاق باب ٢٧. الترمذي في كتاب الزهد باب ٣١. النسائي في كتاب الوصايا باب ١. أحمد في مسنده (٢/ ٣٦٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>