للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العام القابل ويتركوا له مكة ثلاثة أيام حتى يطوف وينحر الهدى ويفعل ما يشاء، فرضي صلّى الله عليه وسلّم بذلك وصالحهم عليه وعاد إلى المدينة. وتجهز في السنة القابلة ثم خاف أصحابه من قريش أن لا يفوا بالوعد ويصدوهم عن المسجد الحرام وأن يقاتلوهم. وكانوا كارهين لقتالهم في الشهر الحرام وفي الحرم. فأنزل الله هذه الآيات وبيّن له كيفية المقاتلة إن احتاجوا إليها فقال: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا بابتداء القتال. وإنما كان ذلك في أول الأمر لقلة المسلمين ولكون الصلاح في استعمال الرفق واللين، فلما قوي الإسلام وكثر الجمع وأقام من أقام منهم على الشرك بعد ظهور المعجزات وتكررها عليهم حصل اليأس من إسلامهم، فأمروا بالقتال على الإطلاق. أو لا تعتدوا بقتال من نهيتم عن قتاله من غير المستعدين كالنساء والشيوخ والصبيان والذين بينكم وبينهم عهد، أو بالمثلة، أو المفاجأة من غير دعوة إلى الإسلام. وهذه المعاني الثلاثة بإزاء التفاسير الثلاثة في الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ.

إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ المتجاوزين عما شرع الله لهم. في الصحاح: ثقفته أي صادفته. وفي الكشاف، الثقف وجود على وجه الأخذ والغلبة، ومنه رجل ثقف أي سريع الأخذ لأقرانه قال:

فإما تثقفوني فاقتلوني ... فمن أثقف فليس إلى خلود

أمر في الآية الأولى بالجهاد بشرط إقدام الكفار على القتال، وفي هذه الآية زاد في التكليف فأمر بالجهاد معهم سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا. واستثنى منه المقاتلة عند المسجد الحرام، وسمي حراما لأنه ممنوع أن يفعل فيه ما منع من فعله وأصل الحرمة المنع مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ أي من الموضع الذي أخرجوكم وهو مكة، وقد فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمن لم يسلم منهم يوم الفتح. أو أخرجوهم من منازلهم كما أخرجوكم من منازلكم، وقد أجلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المشركين من المدينة بل

قال: «لا يجمع دينان في جزيرة العرب» «١»

والمراد بالإخراج تكليفهم الخروج قهرا أو تخويفهم وتشديد الأمر عليهم حتى اضطروا إلى الخروج وَالْفِتْنَةُ عن ابن عباس أنها الكفر بالله لأنه فساد في الأرض يؤدي إلى الظلم والهرج وفيه الفتنة. وأيضا الكفر ذنب يستحق العقاب الدائم بالاتفاق والقتل ليس كذلك والكفر يخرج به صاحبه عن الأمة دون القتل. روي أن صحابيا قتل رجلا من الكفار في الشهر الحرام فعابه المؤمنون على ذلك فنزلت. أن لا تستعظموا الإقدام على القتل في


(١) رواه مالك في الموطأ في كتاب المدينة حديث ١٧- ١٩. أحمد في مسنده (٦/ ٢٧٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>