للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسكر فهو خمر لغة أو شرعا فيكون حقيقة لغوية أو شرعية كالصلاة، ولئن منع ذلك فلا أقل من أن يكون معناه أنه كالخمر في الحرمة وهو المراد.

وعن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع- وهو شراب يتخذ من العسل- فقال صلى الله عليه وسلم: «كل شراب مسكر فهو حرام» «١»

وعن أم سلمة قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر.

قال: الخطابي:

والمفتر كل شراب يورث الفتور والخدر في الأعضاء. وأيضا الآيات الواردة في الخمر منها اثنتان بلفظ الخمر وغيرهما بلفظ المسكر مثل لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى

[النساء: ٤٣] وفيه دليل على أن المراد بالخمر هو المسكر. وكذا في قول عمر ومعاذ «الخمر مذهبة للعقل» . فإنه يوجب أن كل ما كان مساويا للخمر في هذا المعنى إما أن يكون خمرا وإما أن يكون مساويا للخمر في علة التحريم. وأيضا قال تعالى إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ [المائدة: ٩٠] ولا شك أن هذه الأفعال معللة بالسكر فيعلم منه أن حرمة الخمر معللة بالإسكار. فإما أن يجب القطع بأن كل مسكر خمر، وإما أن يلزم الحكم بالحرمة في كل مسكر. حجة أبي حنيفة قوله تعالى تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً [النحل: ٦٧] منّ الله علينا باتخاذ السكر والرزق الحسن، والنبيذ سكر ورزق حسن، فوجب أن يكون مباحا لأن المنة لا تكون إلا بالمباح، وأيضا ما

روي في الصحيحين عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى فقال رجل: يا رسول الله، ألا أسقيك نبيذا؟ قال: بلى. فخرج يسعى فجاء بقدح فيه نبيذ فشرب.

واعلم أن المسكر حرام جنسه قل أم كثر نيئا أو مطبوخا

لقوله صلى الله عليه وسلم «ما أسكر كثيره فقليله حرام» «٢»

وعن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «كل مسكر حرام وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام» «٣»

قال الخطابي: الفرق مكيال يسع ستة عشر رطلا. وفيه أبين البيان أن الحرمة شاملة لجميع أجزاء الشراب. وعن ابن عباس أنه جاء رجل فسأله عن العصير فقال: اشربه ما كان طريا. قال: إني أطبخه وفي نفسي منه شيء. قال: أكنت شاربه قبل أن تطبخه؟ قال: لا، قال: إن النار لا تحل شيئا وقد حرم. وقال


(١)
رواه البخاري في كتاب الأشربة باب ٤. بلفظ «إذا لم يسكر فلا بأس به» .
(٢) رواه أبو داود في كتاب الأشربة باب ٥. الترمذي في كتاب الأشربة باب ٣. النسائي في كتاب الأشربة باب ٢٥. ابن ماجه في كتاب الأشربة باب ١٠. الدارمي في كتاب الأشربة باب ٨.
أحمد في مسنده (٢/ ٩١، ١٦٧) .
(٣) رواه أبو داود في كتاب الأشربة باب ٥. الترمذي في كتاب الأشربة باب ٣. أحمد في مسنده (٦/ ٧١، ٧٢، ١٣١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>