للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ١- ذات الله

جاء الإسلام بالأصول الكاملة للعقيدة الصحيحة، فقرر ان الله يتعالى عن احاطة العقول بكنهه، او ادراك ذاته، وان غاية ما كتب لها من إدراكه هو العجز عن إدراكه «١» ، فقال سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ «٢» ، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً «٣» ، لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ «٤» ، هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ «٥» .

ولا يخفى ان هذا هو نهاية ما وصلت اليه الفلسفة فى القرن العشرين، فقد نصت على ان الله موجود ولكن العقل لا يمكن ان يدرك كنه وجوده ولا صورته، فهو روح الوجود وقيومه «٦» .

وبينما كانت الأمم تخوض فى تحديد الله وتعريفه وتركيبه وتأليفه «٧» ، وتطلق لخيالها العنان فى ذلك، إذا بالقرآن يهيب بذلك الخيال ان قف حيث أنت، هذا مقام ليس لك عليه سلطان، ولا لك فى الجولان فيه يدان «٨» .

وقد بعث محمد عليه الصلاة والسلام، بدين وشريعة، اما الدين فقد استوفاه الله كله فى كتابه الكريم ووحيه «ولم يكل الناس الى عقولهم فى شيء منه «٩» » ، واما الشريعة فقد استوفى أصولها، ثم ترك للنظر الاجتهادى تفصيلها، وجاء فى القرآن الكريم: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً «١٠» .


(١) محمد فريد وجدي، دائرة معارف القرن العشرين: ٧/ ٦٧٩.
(٢) سورة الشورى: ١١. [.....]
(٣) سورة طه: ١١٠.
(٤) سورة الانعام: ١٠٣.
(٥) سورة الحديد: ٣.
(٦) محمد فريد وجدي، دائرة معارف القرن العشرين: ٧/ ٦٧٩.
(٧) انظر الحور العين: ٥٧٣، حيث ذكر خمسين مقالة من اختلاف الناس فى صانعهم.
منها قول اليهود بالتشبيه، وادعاؤهم ان معبودهم ابيض الراس واللحية كما فى سفر دانيال او اشعيا، وزعمهم ان عزيرا ابن الله على وجه اليقين، ثم ذكر تفرق النصارى الى ملكانية يقولون ان اتحاد الله بعيسى كان باقيا حال صلبه، ويعقوبية يقولون ان روح الباري اختلط ببدن عيسى اختلاط الماء باللبن. وصدق الله العظيم: (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) ٣٠: التوبة.
(٨) دائرة معارف القرن العشرين: ٧/ ٦٧٩ وما بعدها.
(٩) مصطفى عبد الرازق، الفلسفة الاسلامية: ٢٧٠.
(١٠) المائدة: ٥

<<  <  ج: ص:  >  >>