للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكان هذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا، وليس بمنتقض ولكنها فى تفسير الخواص فى المواطن المختلفة.

فاما تفسير لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ يعنى لا يراه الخلق فى الدنيا دون الآخرة ولا فى السموات دون الجنة وقوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ، إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ يعنى يوم القيامة (ناضرة) يعنى الحسن والبياض يعلوها النور إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ينظرون الى الله عز وجل يومئذ معاينة- فهذا تفسيرهما «١٤» .

ومن متشابه آيات الرؤية قوله سبحانه لموسى لَنْ تَرانِي الأعراف/ ١٤٣، وقوله سبحانه حكاية عن محمد صلى الله عليه وسلم وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى النجم/ ١٣.

وقد أول مقاتل الآيتين بان قوله تعالى لموسى لَنْ تَرانِي يعنى فى الدنيا، فاما فى الجنة فان موسى وغيره يرونه فى الجنة معاينة. واما قوله عن محمد صلى الله عليه وسلم وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى فقال: رآه فى الجنة ليلة اسرى به.

ولا يخلو تفسير مقاتل لهذه الآيات من نزعة التشبيه والتجسيم- وهي نزعة فاسدة- فى خلال هذا التفسير العظيم «١٥» .

وقد كان الامام الشافعي يعتقد رؤية الله يوم القيامة «١٦» ويقول: (لو لم يعرف ابن إدريس انه سيرى ربه ما عبده فى هذه الدنيا) «١٧» .

ونسب الأشعري «١٨» الى بعض المسلمين اعتقادهم: ان اهل الجنة يرون ربهم


(١٤) الملطي، التنبيه والرد، تحقيق الكوثرى: ٦٣.
(١٥) انظر نص كلام مقاتل فى تفسيره: ١/ ٣٣ مخطوطة احمد الثالث، وانظر تحقيقنا له:
١/ ١٨٠، وفى التنبيه والرد على اهل الأهواء والبدع: ٦٣- ٦٤، حيث يقول: قال مقاتل:
واما قوله حيث قال موسى لربه عز وجل (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي) وقال فى آية اخرى لمحمد صلى الله عليه وسلم (ولقد رآه نزلة اخرى) فكان هذا عند من يجهل التفسير ينقض بعضه بعضا وليس بمنتقض ولكنهما فى تفسير الخواص فى المواطن المختلفة، فاما تفسير قوله جل اسمه لموسى لَنْ تَرانِي، قال موسى لما سمع كلام ربه بأرض القدس اشتاق الى رؤيته فقال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ فقال الله عز وجل لَنْ تَرانِي يعنى فى الدنيا فاما فى الجنة فان موسى وغيره يرونه فى الجنة معاينة.
واما تفسير قوله لمحمد صلى الله عليه وسلم: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى فقال: رآه فى الجنة ليلة اسرى به، تصديق ذلك قوله: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى فذلك قوله: (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) (سورة النجم/ ١٤- ١٧) يقول ما زاغ بصر محمد عن رؤية ربه حين رآه، نظر اليه فى جنة المأوى وما ظلم، كما قال موسى (تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ..) إلخ.
(١٦) السبكى، طبقات الشافعية: ١/ ١١٥، محمد ابو زهرة: الشافعي: ١٣٧ ط ٢.
(١٧) السبكى، طبقات الشافعية: ١/ ١١٥.
(١٨) مقالات الاسلاميين: ١/ ٢٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>