للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى نزلت فيهم سورة تخمل اسمهم الخاص، وترسم لهم اخزى صورة، ثم ترميهم بالبلادة والجمود، حتى لتشبههم بالتماثيل الصامتة والخشب المسندة، وتصفهم بالتوجس والجبن والفزع كلما هجس صوت، او علت صيحة، او تحرك شيء، بالرغم من ظاهرهم الخداع، وأجسامهم الطوال العراض، التي تسر الناظرين. قال تعالى:

وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ، وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ، قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ «٣٧» .

وقد قال مقاتل فى بيان سبب نزولها «٣٨» : نزلت فى عبد الله بن ابى ابن سلول، وكان رجلا جسيما صبيحا فصيحا زلق اللسان، فإذا قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم لقوله (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) يقول كان أجسامهم خشب لا تسمع ولا تعقل، لأنها خشب ليست فيها أرواح، فكذلك المنافقون لا يسمعون الايمان ولا يعقلون «إذ» ليس فى أجوافهم ايمان فشبه أجسامهم بالخشب.

يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ يقول إذا نادى مناد في العسكر او أفلتت دابة او أنشدت ضالة ظنوا أنما يرادون بذلك مما في قلوبهم من الرعب.

فهل يعقل ان يكون المقصود بهذا الوصف نفرا من منافقي الأوس والخزرج كانوا فى عصر التنزيل ثم لم يلبثوا ان انقرضوا؟ «٣٩» .

وإذا تناول القرآن أولئك النفر تناولا اوليا ووصف أخلاقهم وصفا مطابقا، فهل من مانع عقلي يحجر هذه الآيات ونظائرها عن ان تكون عبرة عامة شاملة، ونموذجا خالدا، شاخصا لمن مضى ولمن يجيء من هذا الصنف الى يوم القيامة، فى كل طائفة تدعى انها على دين «٤٠» .

- ٨- وصف المنافقين فى سورة التوبة

ولعل أوضح وادل منال على عموم الآيات النازلة فى المنافقين ما ورد من صفاتهم فى سورة التوبة.

فقد وصفتهم السورة ابلغ وصف وأظهرت خيانتهم وكشفت نفاقهم وكذبهم حتى


(٣٧) سورة المنافقون: ٤.
(٣٨) تفسير مقاتل مخطوطة احمد الثالث ٢/ ١٩٧. ب، وانظر تحقيقنا له: ٤/ ٣٣٧- ٣٣٨. وقد ورد ذلك فى كتب التفسير، وصحيح البخاري، واسباب النزول للواحدي: ٢٤٤ ولباب النقول للسيوطي: ٢١٩.
(٣٩) قارن بتفسير المنار: ١/ ١٤٨- ١٤٩ فى تاويل قوله تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ الآيات من سورة البقرة. وقد ذهب الى ان الآية عامة فى كل منافق فى الماضي والحاضر الى يوم القيامة.
(٤٠) قارن بتفسير ابن كثير: ١/ ٤٧ فى تاويل الآيات المصورة للمنافقين، فى سورة البقرة ايضا.

<<  <  ج: ص:  >  >>