للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى السببية بل نحتملها ونحتمل امرا آخر هو بيان ما تضمنته الآية من الأحكام.

والقرائن وحدها هي التي تعين احد هذين الاحتمالين او ترجحه.

قال ابن تيمية «٤٦» : قولهم (نزلت هذه الآية فى كذا) يراد به تارة سبب النزول، ويراد به تارة ان ذلك داخل فى الآية وان لم يكن السبب كما تقول عنى بهذه الآية كذا.

وقال الزركشي فى «البرهان» قد عرف من عادة الصحابة والتابعين ان أحدهم إذا قال: (نزلت هذه الآية فى كذا) فانه يريد بذلك ان هذه الآية تتضمن هذا الحكم لا ان هذا كان السبب فى نزولها.

«وكثيرا ما نجد المفسرين وغيرهم يقولون نزلت فى كذا وكذا، وهم يريدون ان من الأحوال التي تشير إليها تلك الآية تلك الحالة الخاصة، فكأنهم يريدون التمثيل» «٤٧» .

ففي كتاب الايمان من صحيح البخاري فى باب قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا،

ان عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقى الله وهو عليه غضبان.

فانزل الله تصديق ذلك إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا الآية «٤٨» .

فدخل الأشعث بن قيس فقال ما حدثكم ابو عبد الرحمن قالوا كذا وكذا قال فى أنزلت، كانت لي بئر فى ارض ابن عم لي ... إلخ.

فابن مسعود جعل الآية عامة لأنه جعلها تصديقا لحديث عام والأشعث جعلها خاصة بحادثة معينة هي نص فى سبب نزول الآية.

فالمعتمد فى سبب نزول هذه الآية رواية الأشعث بن قيس لأنها نص فى سبب النزول. اما رواية ابن مسعود فاستنباط منه وتفسير لا ذكر لسبب النزول.

ومن هنا نعلم انه إذا وردت عبارتان فى موضوع واحد: أحدهما نص فى السببية لنزول آية او آيات، والثانية ليست نصا فى السببية لنزول تلك الآية او الآيات.

هنالك نأخذ فى السببية بما هو نص ونحمل الاخرى على انها بيان لمدلول الآية، لان النص أقوى فى الدلالة من المحتمل.


(٤٦) مقدمة فى اصول التفسير، لابن تيمية: ١٣.
(٤٧) تفسير القرآن الكريم، محمد الطاهر بن عاشور: ٤٣.
(٤٨) سورة آل عمران: ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>