للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حيث وجدوا، وباسر من لم يقتل منهم، وبحصارهم وتضييق الخناق عليهم. لكن من هم هؤلاء المشركون؟.

(ان الآية السابقة واللاحقة تحدد انهم فريق خاص من المشركين. كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فنقضوه، وظاهروا عليه أعداءه. وقد برىء الله ورسوله منهم، وآذنهم بالحرب ان لم يتوبوا عن كفرهم، ويؤمنوا بالله ربا واحدا، وبمحمد نبيا ورسولا.

(وهؤلاء المشركون اعداء الإسلام ونبيه ليسوا هم كل المشركين، بدليل قوله جل ثناؤه قبل آية السيف: إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً، فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ «١٠» .

(فليس قتال المشركين غاية فى ذاته، بل هو وسيلة لتأديب أئمة الكفر الذين طعنوا فى دين الله، وصدوا الناس عن سبيله، ونقضوا عهودهم مع رسول الله، وظاهروا عليه أعداءه، ونكثوا ايمانهم، وهموا بإخراج الرسول، وبداوا المؤمنين بالقتال فى بدر) «١١» .

فقتالهم مقصود به كسر شوكتهم، وازالة جبروتهم وطغيانهم من طريق الدعوة الاسلامية، حتى تستطيع ان تصل الى آذان العرب جميعا.

(وانما شرع القتال فى الإسلام لتأمين الدعاة اليه، ولضمان الحرية التي تكفل لهم إبلاغ دعوته، ودرء الشبه عن عقيدته، بالمنطق السليم والحجة المقنعة. ومن اجل هذا خص أئمة الكفر بالأمر بقتالهم، لأنهم يحولون بالقوة بين الدعاة والشعوب التي يجب ان تدعى.

فإذا ما هيئت للدعاة وسائل الدعوة فى امن وحرية فلا حرب ولا قتال) «١٢» ؟

- ٦- تعقيب على المناقشة

وهكذا يتضح ان الآيات التي ادعى مقاتل انها منسوخة بآية السيف ليست من النسخ فى شيء، بل هي من (المنسأ) «١٣» الذي دار مع سببه وجودا وعدما.


(١٠) سورة التوبة: ٤.
(١١) النسخ فى القرآن الكريم، للدكتور مصطفى زيد: ٢/ ٥٠٤- ٥٠٦.
(١٢) النسخ فى القرآن، للدكتور مصطفى زيد: ٢/ ٥٠٧. بتصرف.
(١٣) الإنساء فى التأخير والتاجيل. قال تعالى: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها سورة البقرة: ١٠٦.
وانظر: اصول التشريع الإسلامي- على حسب الله: ٣١٦ ط ٣.
ومعنى الإنساء تأخير الأمر بالقتال الى وقت الحاجة. وانظر الزركشي فى البرهان: ٢/ ٤٢، والسيوطي فى الإتقان: ٢/ ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>