للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعَلَ مِثْلَ فعلهم.

وقوله سبحانه: قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ.

قال بعض أَهْلِ التَّأوِيلِ: تَقْدِيرُ الكلام: قُلْ لِمَنْ مَا فِي السموات والأرض، فإذا تحيروا فلم يُجِيبُوا قل للَّه.

والصحيح من التَّأويل أن اللَّه- عزَّ وَجَلَّ- أمر نبيه- عليه السلام- أن يَقْطَعَهُمْ بهذه الحُجَّةِ، والبرهان القطعي الذي لا مُدَافَعَةَ فيه عندهم، ولا عند أَحَدٍ ليعتقدَ هذا المعتقد الذي بينه وبينهم، ثم يَتَرَكَّب احْتِجَاجُهُ عليه، فكأن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لهم: يا أيها الكافرون العَادِلُونَ بربهم لمن ما في السموات والأَرْضِ، ثم سَبَقَهُمْ فقال: للَّه أي لا مُدَافَعَةَ في هذا عندكم، ولا عند أحد.

ثم ابتدأ يخبر عن اللَّه تعالى: كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ معناه: قضاها وأَنْفَذَهَا.

وفي هذا المعنى أحاديث صَحِيحَةٌ ففي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم «جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مَائَةً جُزْءٍ، فأمسك عنده تِسْعَةً وَتِسْعِينَ وَأنْزَلَ في الأَرْضِ جُزْءاً وَاحِداً، فمن ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الخَلاَئِقُ حتى تَرْفَعُ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أن تُصِيبَهُ» «١» .

ولمسلم في طَرِيقٍ آخرُ: «كُلُّ رَحْمَةٍ مِنْهَا طبَاقُ مَا بَيْنِ السَّمَاءِ والأَرْضِ، فإذا كان يَوْمُ القِيَامَةِ أَكْمَلَهَا بهذه الرَّحْمة» «٢» .

وخرج مسلم، والبخاري، وغيرهما عنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «لما خَلَقَ اللَّه الخَلْقَ كَتَبَ في كِتَابٍ، فهو عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ: إن رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي» «٣» .

وفي طريق: «سَبَقَتْ غَضَبِي» إلى غير ذلك من الأحاديث. انتهى.

قال ع «٤» : فما أشقى مَنْ لم تَسَعْهُ هذه الرَّحَمَاتُ. تغمّدنا الله بفضل منه.


(١) أخرجه مسلم (٤/ ٢١٠٨) كتاب «التوبة» ، باب في سعة رحمة الله تعالى، وأنها سبقت غضبه، حديث (١٧/ ٢٧٥٢) والبخاري (١٠/ ٤٤٦) كتاب «الأدب» ، باب جعل الله الرحمة في مائة جزء، حديث (٦٠٠٠) وفي «الأدب المفرد» (١٠٠) ، والدارمي (٢/ ٣٢١) ، والمروزي في «زوائد الزهد» لابن المبارك (١٠٣٩) ، وابن حبان (٦١٤٨) كلهم من طريق الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة به.
(٢) أخرجه مسلم (٤/ ٢١٠٩) كتاب «التوبة» باب في سعة رحمة الله- تعالى- وأنها سبقت غضبه، حديث (٢١/ ٢٧٥٣) من حديث سلمان.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) ينظر: «المحرر» (٢/ ٢٧١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>