للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله سبحانه: وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ الآية. هذا ابتداء خَبَرٍ عن حَالِ الدنيا، والمعنى: أنها إذ كانت فَانِيَةٌ لا طائل لها أشبهت اللَّعِبَ، واللهو الذي لا طَائِلَ له إذا تقضى. وهذه الآية تتضمن الرَّدَّ على قولهم: إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا [الأنعام: ٢٩] وهو المقصود بها.

قال عبد الحق في «العاقبة» : اعلم- رحمك الله- أن حُبَّ الدُّنْيَا هو سَبَبُ طُولِ الأَمَلِ، والإكْبَابُ عليها يَمْنَعُ من الفِكْرَةِ في الخروج عنها، والجهل بغَوَائِلِهَا يحمل على الإرادة لها، والازدياد منها لأن من أَحَبَّ شَيْئاً أحَبَّ/ الكَوْنَ معه، والازدياد منه، ومن كان مَشْغُوفاً بالدنيا مُحِبًّا لها قد خَدَعَتْهُ بزُخْرُفِهَا وَأَمَالَتْهُ برَوْنَقِهَا كيف يحبُّ مفارقتها، أو يحب مُزَايَلَتَهَا، هذا أمر لم تَجْرِ العادة به، ولا حُدِّثْنَا عنه، بَلْ نجد مَنْ كَانَ على هذه الصفة أَعْمَى عَنْ طريق الخَيْرِ، أصم عن دَاعِي الرشد، أَفِنَ الرأي، سَيِّىءَ النظر، ضَعِيفَ الإيمان، لم تترك له الدُّنْيَا ما يَسْمَعُ به، ولا ما يرى، إنما دِينُهُ وشغله وحديثه دُنْيَاهُ، لها ينظر، ولها يَسْمَعُ، قد ملأت عينه وقلبه، ثم قال: واعلم أن أَهْلَ القُبُورِ إنما يَنْدَمُونَ على ما يتركون، ويفرحون بما يُقَدِّمُونَ، فما عليه أهل القُبُورِ يندمون، أَهْلُ الدنيا عليه يَقْتَتِلُون. انتهى.

وقوله سبحانه: قَدْ نَعْلَمُ ... الآية: نَعْلَمُ إذا كانت من اللَّه- تعالى- تَتَضَمَّنُ استمرار العَلْمِ وقِدَمَهُ، فهي تعمُّ الماضي، والحال، والاستقبال.

قلت: ونحو هذا لأبي «١» حَيَّانَ قال: وعبر هنا بالمُضَارِعِ لأنَّ المُرَادَ الاتصاف بالعلم، واستمراره، ولم يلحظ فيه الزمان، كقولهم: فلان يعطي ويمنع. انتهى.

وقرأ نافع «٢» وحده «لَيُحْزِنُكَ» من أَحْزَنَ.

وقرأ الباقون: «لَيَحْزُنْكَ» من حَزَنْتُ الرجلَ.

وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم، وحمزة «لا يكذّبونك» «٣» - بتشديد


(١) ينظر: «البحر المحيط» (٤/ ١١٥) .
(٢) ينظر: «حجة القراءات» ص (٢٤١) ، «السبعة» ص (٢٥٧) ، «النشر» (٢/ ٢٥٧) ، «التبيان» (١/ ٤٩٠) ، «المشكل» (١/ ٢٥١) ، «المصاحف» لابن أبي داود ص (٤٥) ، «البحر المحيط» (٤/ ١١٤) ، «الدر المصون» (٣/ ٤٦) ، و «الحجة» (٣/ ٣٠٤) ، و «العنوان» (٩٠) .
(٣) ينظر: «الدر المصون» (٣/ ٤٨) ، «البحر المحيط» (٤/ ١١٦) ، «حجة القراءات» ص (٢٤٧) ، «الكشاف» (٢/ ١٨) ، «النشر» (٢/ ٢٥٧- ٢٥٨) ، «إتحاف فضلاء البشر» (٢/ ١٠) ، و «السبعة» -

<<  <  ج: ص:  >  >>