للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هم مؤمنو أهْل المدينة قاله ابن عباس وغيره «١» ، والآية على هذا التأويلِ، وإن كان القصْدُ بنزولها هذَيْن الصِّنْفَيْن، فهي تعم الكَفَرة والمؤمنين إلى يوم القيامة، وقال الحسن وغيره:

المراد ب «القَوْم» : مَنْ تَقَدَّم ذكْره من الأنبياء والمؤمنين «٢» ، وقال أبو رجاء: المرادُ:

الملائكةُ «٣» .

قلتُ: ويحتمل أنْ يكون المراد الجميعَ.

وقوله سبحانه: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ، والظاهر في الإشارة ب أُولئِكَ إلى المذكورين قبلُ من الأنبياء ومَنْ معهم من المؤمنين المهدِّيين، ومعنى الاقتداء: اتباع الأثر في القول والفعل والسّيرة، وإنما يصحّ اقتداؤه صلّى الله عليه وسلّم بجميعهم في العقودِ، والإيمان، والتوحيدِ الذي ليْسَ بينهم فيه اختلاف، وأما أعمالُ الشرائع فمختلفةٌ، وقد قال عزَّ وجلَّ: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً [المائدة: ٤٨] ، واعلم أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو وغيره مخاطَبٌ بشَرْع مَنْ قبله في العقود والإيمانِ والتوحيدِ «٤» لأنا نجد شرعنا ينبىء أنّ الكفار الذين كانوا قبل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كَأَبَوَيْهِ وغيرهما في النَّار، ولا يُدْخِلُ اللَّهُ تعالى أحداً النار إلا بتَرْك ما كُلِّفَ، وذلك في قوله سبحانه: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء: ١٥] ، وغير ذلك، وقاعدةُ المتكلِّمين: أن العقل لا يوجِبُ ولا يكلِّف، وإنما يوجب «٥» الشرْعُ، فالوجه في هذا أنْ يقال: إنَّ آدم- عليه السلام- فَمَنْ بعده، دعا إلى توحيد اللَّه (عزَّ وجلَّ) دعاءً عامًّا، واستمر ذلك على العالَمِ، فواجبٌ على الآدميّ أن


- وذكره ابن كثير (٢/ ١٥٥) بنحوه. وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٥٢) ، وعزاه لابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس بنحوه.
(١) أخرجه الطبري (٥/ ٢٠٦) رقم (١٣٥٣٠) ، وذكره البغوي (٢/ ١١٤) ، وذكره ابن عطية (٢/ ٣١٦) ، وذكره ابن كثير (٢/ ١٥٥) بنحوه وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٥٢) ، وعزاه لابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس بنحوه.
(٢) ذكره ابن عطية (٢/ ٣١٨) .
(٣) أخرجه الطبري (٥/ ٢٦٠) رقم (١٣٥٣١) ، وذكره البغوي (٢/ ١١٤) وذكره ابن عطية (٢/ ٣١٨) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٥٢) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، عن أبي رجاء بنحوه.
(٤) ينظر: «أحكام الآمدي» (٤/ ١٢١) ، «غاية الوصول» للشيخ زكريا الأنصاري (١٣٩) ، «التحصيل من المحصول» للأرموي (١/ ٤٤٢) ، «حاشية البناني» (٢/ ٣٥٢) ، «الآيات البينات» لابن قاسم العبادي (٤/ ١٩١) ، «حاشية العطار على جمع الجوامع» (٢/ ٣٩٣) ، «المعتمد» لأبي الحسين (٢/ ٣٣٦) ، «التحرير» لابن الهمام» (٣٥٩) ، «تيسير التحرير» لأمير بادشاه (٣/ ١٢٩) .
(٥) تقدم الكلام على الحسن والقبح.

<<  <  ج: ص:  >  >>