للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله سبحانه: ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ، ثُمَّ في هذه الآية: إنما مُهْلَتها في ترتيب القول الذي أمر به نبيّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم كأنه قال: ثم ممَّا قضَيْناه أنَّا آتينا موسَى الكتاب ويدعو إلى ذلك أن موسى- عليه السلام-/ متقدِّم بالزمانِ على نبيِّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم وتلاوته ما حرّم الله، والْكِتابَ: التوراة، وتَماماً: مصدر، وقوله:

عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ: مختلفٌ في معناه، فقالت فرقة: الَّذِي بمعنى الّذين وأَحْسَنَ: فعلٌ ماضٍ صلَةُ «الذين» ، وكأن الكلام: وآتينا موسَى الكتابَ تفضُّلاً على المحسنين من أهْل ملَّته، وإتماماً للنعمة عليهم، وهذا تأويل مجاهد «١» ويؤيِّده ما في مصحف ابْنِ «٢» مسعود: «تَمَاماً عَلَى الَّذِينَ أحْسَنُوا» ، وقالت فرقة: المعنى: تماماً على ما أحْسَنَ هو مِنْ عبادة ربِّه، يعني: موسى- عليه السلام- وهذا تأويل الربيع وقتادة «٣» ، وقالت فرقة: المعنى: تماماً على الذي أحسن اللَّه فيه إلى عبادة من النبوُّات وسائر النعم وبِلِقاءِ رَبِّهِمْ، أي: بالبعث.

وقوله سبحانه: وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ، هذا إشارة إلى القرآن، ومُبارَكٌ: وصف بما فيه من التوسُّعات وأنواعِ الخَيْرات، ومعناه:

مُنَمًّى خيره مُكثَّر، والبركةُ: الزيادةُ والنموُّ، فَاتَّبِعُوهُ: دعاء إلى الدِّين، وَاتَّقُوا: أمر بالتقوَى العامَّة في جميع الأشياء بقرينةِ قوله: لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ، و «أنْ» في قوله: أَنْ تَقُولُوا في موضعِ نصبٍ، والعاملُ فيه: أَنْزَلْناهُ، والتقدير: وهذا كتاب أنزلناه كراهيةَ أنْ تقولوا، والطائفتان: اليهودُ والنصارى بإجماع المتأوِّلين، والدِّرَاسَة: القراءةُ والتعلُّم بها، ومعنى الآية: إزالة الحجة مِنْ أيدي قُرَيْشٍ وسائرِ العربِ، ولما تقرَّر أن البينة قد جاءَتْهم، والحجَّةَ قد قامَتْ عليهم- حَسُنَ بعد ذلك أنْ يقع التقريرُ بقوله سبحانه: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها، أي: حاد عنها، وزاغ، وأعرض، وسَنَجْزِي الَّذِينَ: وعيد.


(١) أخرجه الطبري (٥/ ٣٩٨) برقم (١٤١٧٦، ١٤١٧٧) ، وذكره ابن عطية (٢/ ٣٦٤) ، وابن كثير (٢/ ١٩٢) ، والسيوطي (٣/ ١٠٦) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر، وأبي الشيخ عن مجاهد.
(٢) ينظر: «الشواذ» (ص ٤٧) ، و «الكشاف» (٢/ ٨٠) ، و «المحرر الوجيز» (٢/ ٣٦٤) .
(٣) أخرجه الطبري (٥/ ٣٩٩) برقم (١٤١٧٨) عن الربيع، وبرقم (١٤١٧٩، ١٤١٨٠) ، عن قتادة، وذكره ابن عطية (٢/ ٣٦٤) ، والسيوطي (٣/ ١٠٦) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ عن قتادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>