للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشمْسِ من مغربها بدليلِ الَّتي بعدها.

قال ع «١» : ويصحُّ أن يريد سبحانه بقوله: أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ جميعَ ما يُقْطَعُ بوقوعه من أشراط الساعة، ثم خصَّص سبحانه بعد ذلك بقوله: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ الآيةَ التي ترتفع التوبةُ معها، وقد بيَّنت الأحاديثُ الصِّحاح في البخاريِّ ومسلمٍ أنها طلوع الشمس مِنْ مغربها، ومقْصِدُ الآية تهديدُ الكفَّار بأحوالٍ لا يخلُونَ منها، وقوله: أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً يريد: جميعَ أعمال البرِّ، وهذا الفَصْل هو للعُصَاة من المؤمنين كما أن قوله: لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ هو للكافرين، / فالآية المشارُ إليها تقطع توبة الصّنفين، قال الداوديّ: قوله تعالى: أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً، يريد أن النفس المؤمنة التي ارتكبت الكبائر لا تُقْبَلُ منها التوبة يومئذ، وتكونُ في مشيئة اللَّه تعالى كأن لم تَتُبْ، وعن عائشة (رضي اللَّه عنها) : إذا خرجَتْ أول الآيات، طُرِحَتِ الأقلامُ، وحُبِسَتِ الحَفَظَةُ، وشَهِدَتِ الأجساد على الأعمال. انتهى.

وقوله سبحانه: قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ: لفظ يتضمّن الوعيد.

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٥٩ الى ١٦١]

إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (١٥٩) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦٠) قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٦١)

وقوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ، قال ابن عباس وغيره: المراد ب «الذين» اليهود والنصارى «٢» ، أي: فَرَّقوا دين إبراهيم، ووَصَفَهم ب «الشِّيَعِ» إذ كل طائفة منهم لها فرق واختلافات، ففي الآية حضٌّ للمؤمنين على الائتلاف وتركِ الاختلافِ، وقال أبو الأحْوَص وأم سلمة زوجُ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: الآية في أهْل البدع والأهواء والفتنِ، ومَنْ جرى مجراهم من أمة نبيّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم «٣» ، أي: فرّقوا دين


(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ٣٦٧) .
(٢) أخرجه الطبري (٥/ ٤١٣، ٤١٤) برقم (١٤٢٦٦) عن ابن عباس، و (١٤٢٦٣، ١٤٢٦٤) عن قتادة، (١٤٢٦٧) عن الضحاك.، وذكره البغوي (٢/ ١٤٥) ، وابن عطية (٢/ ٣٦٧) ، وابن كثير (٢/ ١٩٦) عن مجاهد، وقتادة، والضحاك، والسدي، والسيوطي (٣/ ١١٧) وعزاه للنحاس في «ناسخه» عن ابن عباس.
(٣) أخرجه الطبري (٥/ ٤١٥) برقم (١٤٢٧٣) عن أبي الأحوص، و (١٤٢٧٥) عن أم سلمة، وذكره ابن عطية (٢/ ٣٦٧) ، والسيوطي (٣/ ١١٨) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ عن أبي الأحوص، وعزاه لابن منيع في «مسنده» ، وأبي الشيخ عن أم سلمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>