للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنَعُوهُمْ حَتَّى يَجُوعُوا وَيَعْرَوْا وَيَجْهَدُوا، حَاسَبَهُمُ اللَّهُ حِسَاباً شَدِيداً، وعَذَّبَهُمْ عَذَاباً نُكْراً» انتهى «١» .

وقوله سبحانه: فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ ... الآية: قال ابنُ مَسْعود: واللَّه، لاَ يَمَسُّ دينارٌ ديناراً، بل يُمَدُّ الجلدُ حتى يكوَى بكلِّ دينار، وبكلِّ درهم «٢» قال الفخر «٣» : قال أبو بكر الوَرَّاقُ: وخُصَّتْ هذه المواضعُ بالذكْرِ لأن صاحِب المال، إِذا رأى الفقيرَ، قَبَضَ جبينه، وإِذا جلَس إِلى جَنْبه، تباعد عَنْه، وولاَّه ظَهْره. انتهى.

[[سورة التوبة (٩) : آية ٣٦]]

إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (٣٦)

وقوله سبحانه: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ، هذه الآيةُ والتي بعدها تتضمَّن ما كانت العربُ عليه في جاهليَّتها من تحريم شُهُورِ الحلِّ، وتحليلِ شهورِ الحُرْمَةَ، وإِذا نصَّ ما كانت العرب تفعله، تبيَّن معنى الآيات، فالذي تظاهرَتْ به الرواياتُ، ويتخلَّص من مجموع ما ذَكَره النَّاسُ: أن العرب كانَتْ لا عَيْشَ لأكْثَرها إِلا من الغارات وإِعمالِ سِلاَحِها، فكانوا إِذا توالَتْ عليهم حُرْمَةُ الأشهر الحُرُمِ، صَعُبَ عليهم، وأَمْلقوا «٤» / وكان بنو فُقَيْمٍ من كِنانة أهْلَ دينٍ في العرب، وتَمَسُّكٍ بشرعِ إبراهيمَ عليه السلام، فانتدب منهم القلمس، وهو حُذَيْفَةُ بْنُ عَبْدِ فُقَيْمٍ، فنَسِيَ الشهورَ للعربِ، ثم خَلَفَهُ عَلَى ذلك بنوه، وذكر الطبريُّ وغيره أن الأمر كان في عدوانٍ قبل بني مالكِ بن كنانةً، وكانتْ صورة فعلهم: أن العرب كانَتْ إِذا فرغَتْ من حَجِّها، جاء إِليه مَنْ شاء منهم مجتمعين، فقالوا: أَنْسَانَا شَهْراً، أيْ: أخّرْ عنا حرمةَ المُحَرَّم، فاجعلها في صَفَرٍ، فيحلُّ لهم المُحَرَّمَ، فيغيرون فيه، ثم يلتزمُونَ حُرْمَةَ صَفَرٍ ليوافقوا عدَّة الأشهرِ الحُرُمِ الأربعة قال مجاهد: ويسمُّون ذلك الصَّفَرَ المُحرَّم، ثم يسمعون ربيعاً الأوَّل صفراً وربيعاً الآخِرَ ربيعاً الأَوَّل، وهكذا في سائِرِ الشهورِ، وتجيء السنةُ مِنْ ثلاثة عشر شهرا أولها: المحرّم


(١) أخرجه الخطيب في «تاريخه» (٥/ ٣٠٨) عن علي وذكره الهندي في «كنز العمال» (١٥٨٢٣) وقال: وفيه محمد بن سعيد البورقي، كذاب يضع.
(٢) أخرجه الطبري (٦/ ٣٦٣، ٣٦٤) برقم: (١٦٦٩٧- ١٦٦٩٨) نحوه، وابن عطية (٣/ ٢٩) ، والبغوي (٢/ ٢٨٩) نحوه، وابن كثير (٢/ ٣٥٢) نحوه. [.....]
(٣) ينظر: «تفسير الرازي» (١٦/ ٣٩) .
(٤) يعني: افتقروا، وضربهم الإملاق، وهو الافتقار. ينظر: «لسان العرب» (٥/ ٤٢٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>