للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله سبحانه: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ... الآية: هذه الآية صيغتُها صيغةُ أمْرٍ مضمَّنها الوعيدُ.

وقال الطبري «١» : المراد بها الذين اعتذروا من المتخلِّفين وتابوا.

قال ع «٢» : والظاهر أن المراد بها الذين اعتَذَروا، ولم يتوبوا وهم المتوعَّدون، وهم الذين في ضمير أَلَمْ يَعْلَمُوا، ومعنى: فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ، أي: موجوداً معرَّضاً للجزاء عليه بخَيْرٍ أو بِشَرٍّ.

وقال ابنُ العرَبِيِّ «٣» في «أحكامه» : قوله سبحانه: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ هذه الآية نزلَتْ بعد ذكر المؤمنين، ومعناها: الأمر، أي: اعملوا بما يُرْضِي اللَّه سبحانه، وأمَّا الآية المتقدِّمة، وهي قوله تعالى: قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ [التوبة: ٩٤] فإنها نزلت بعد ذكْر المنافقين، ومعناها: التهديد وذلك لأن/ النفاق موضِعُ ترهيبٍ، والإيمانُ موضعُ ترغيبٍ، فقوبل أهْلُ كلِّ محلٍّ من الخطاب بما يليقُ بهم. انتهى.

وقوله سبحانه: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ: عَطْفٌ على قوله أولاً: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا: ومعنى الإِرجاء: التأخير، والمراد بهذه الآية فيما قال ابنُ عباس وجماعةٌ: الثلاثةُ الذين خُلِّفوا، وهم كَعْبُ بْنُ مالكٍ، وصاحباه «٤» على ما سيأتي إن شاء اللَّه، وقيل: إِنما نَزلَتْ في غيرهم من المنافقين الذين كانوا مُعَرَّضين للتوبة مع بنائهم مَسْجِدَ الضِّرارِ، وعَلَى هذا: يكون الَّذِينَ اتَّخَذُوا بإسقاط واو العطف بدلاً من آخَرُونَ، أو خبر مبتدأ، تقديره: هم الذين، وقرأ عاصم «٥» وعوامُّ القُرَّاء، والنَّاسُ في كل قطر إلّا ب «المدينة» :


(١) ينظر: «الطبري» (٦/ ٤٦٧) .
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ٨٠) .
(٣) ينظر: «أحكام القرآن» (٢/ ٩٩٦) .
(٤) سيأتي إن شاء الله تعالى.
(٥) وكذلك هي في مصاحف أهل الشام.
ينظر: «معاني القراءات» (١/ ٤٦٤) ، و «إعراب القراءات» (١/ ٢٥٦) ، و «العنوان» (١٠٣) ، و «شرح الطيبة» (٤/ ٣٤١) ، و «شرح شعلة» (٤١٥) ، و «إتحاف» (٢/ ٩٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>