للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان ابنُ مسعودٍ يتأوَّل الآية في صِدْق الحديث «١» ، وإِليه نحا كَعْبُ بنُ مالك.

وقوله سبحانه: مَا كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ... الآية هذه الآية معاتبةٌ للمؤمنين من أهل يَثْرِبَ وقبائل العرب المُجَاورة لها، على التخلُّف عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غزوةٍ، وقُوَّةُ الكلام تعطي الأمر بِصُحْبَتِهِ أَيْنَ ما توجَّه غازياً وبَذْلِ النفوس دونه، و «المخُمَصَة» مَفْعَلَةٌ من خُمُوص البَطْنِ، وهو ضُمُوره واستعير ذلك لحالة الجُوع، إِذ الخُمُوص ملازمٌ له، ومن ذلك قولُ الأَعْشَى: [الطويل]

تَبِيتُونَ في المَشْتى مِلاَءً بُطُونُكُمْ ... وَجَارَاتُكُمْ غَرْثَى «٢» يَبِتْنَ خَمَائِصَا «٣»

وقوله: وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا: لفظٌ عامٌّ لقليلِ ما يصنعه المؤمنون بالكَفَرةِ- من أخْذ مالٍ، أو إِيراد هوانٍ- وكثيره ونَيْلًا: مصدر نَالَ يَنَالُ وفي الحديث: «مَا ازداد قومٌ مِنْ أَهْلِيهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بُعْداً إِلاَّ ازدادوا مِنَ اللَّهِ قُرْباً» .

ت: وروى أَبو داود في «سننه» ، عن أبي مالكٍ الأشعريّ، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: «مَنْ فَصَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَمَاتَ، أَوْ قُتِلَ، فَهُوَ شَهِيدٌ، أَوْ وَقَصَهُ فَرَسُهُ أَوْ بَعِيرُهُ أَوْ لَدَغَتْهُ هَامَّةٌ، أَوْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ بِأَيِّ حَتْفٍ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ شَهِيدٌ، وإِنَّ لَهُ الْجَنَّةَ» ، انتهى «٤» .

قال ابنُ العربي «٥» في «أحكامه» : قَوْلُه عزَّ وجلَّ: وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ: يعني إِلاَّ كُتِبَ لهم ثوابُهُ، وكذلك قال في المجاهد: «إِنَّ أَرْوَاثَ دَوَابِّهِ وأَبْوَالَهَا حَسَنَاتٌ له» وَكَذَلِكَ أَعطَى سبحانه لأَهْل العُذْر من الأجر ما أعطى للقويّ العامل بفضله،


(١) أخرجه الطبري (٦/ ٥٠٩- ٥١٠) برقم: (١٧٤٧٠- ١٧٤٧١) ، وذكره ابن عطية (٣/ ٩٥) ، والبغوي (٢/ ٣٣٧) نحوه، وابن كثير (٢/ ٣٩٩) نحوه.
(٢) جمع غرثى وغرثانة، والغرث: أيسر الجوع.
ينظر: «لسان العرب» (٣٢٣١) .
(٣) البيت للأعشى ينظر: «ديوانه» (١٤٩) ، «الدر المصون» (٢/ ٨٧) .
(٤) أخرجه أبو داود (٢/ ١٢) كتاب «الجهاد» باب: فيمن مات غازيا، حديث (٢٤٩٩) ، والحاكم (٢/ ٧٨) ، والبيهقي (٩/ ١٦٦) كتاب «السير» باب: فضل من مات في سبيل الله، والطبراني في «الكبير» (٣/ ٣٢٠) رقم: (٣٤١٨) كلهم من طريق ابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن عبد الرحمن بن غنم، عن أبي مالك الأشعري به.
وقال الحاكم: صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرِّجاه، وتعقبه الذهبي فقال: ابن ثوبان: لم يحتج به مسلم وليس بذاك، وعبد الرحمن بن غنم لم يدركه مكحول فيما أظن.
(٥) ينظر: «أحكام القرآن» (٢/ ١٠٢٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>