للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٧٦ الى ٨٢]

فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (٧٦) قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (٧٧) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (٧٨) وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (٧٩) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٨٠)

فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (٨١) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨٢)

وقوله سبحانه: فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ الآية: يريد ب الْحَقُّ آيَتَيِ العَصَا واليد.

وقوله: أَسِحْرٌ هذا: قالت فرقة: هو حكايةٌ عن موسَى عنهم، ثم أخبرهم موسَى عن اللَّه أَنَّ الساحِرِينَ لا يُفلحون، ثم اختلفوا في معنى قول قَوْمِ فرعونَ، فقال بعضهم:

قالها منهم كلُّ مستفهِمٍ جاهلٍ بالأمر، فهو يسأل عنه، وهذا ضعيفٌ، وقال بعضهم: بل قالوا ذلك عَلَى معنى التعظيم للسحْرِ الذي رأَوْهُ، وقالت فرقة: ليس ذلك حكايةً عن موسَى عنهم، وإِنما هو من كلام موسَى، وتقدير الكلامِ: أَتقولون للحَقِّ لما جاءكم سِحْرٌ، ثم ابتدأ يوقِّفهم بقوله: أَسِحْرٌ/ هذا على جهة التوبيخ.

وقولهم: لِتَلْفِتَنا: أي: لتصرفنا وتلوينا وتَرُدَّنا عن دين آبائنا، يقال: لفتَ الرَّجُلُ عُنُقَ الآخَرِ إِذا أَلواه، ومنه قولهم: التفت فَإِنَّهُ افتعل من لفت عنقه إذا ألواه، والْكِبْرِياءُ: مصْدَر من الكِبْرِ، والمراد به في هذا الموضع المُلْك قاله أكثر المتأوِّلين لأنه أعظم تَكَبُّرِ الدنيا، وقرأ أبو عَمْرٍو وحده: «به السّحر» - بهمزة استفهام ممدودةٍ-، وفي قراءة «١» أُبيٍّ: «مَا أَتَيْتُمْ بِهِ سِحْرٌ» ، والتعريف هنا في السِّحْرِ أَرْتَبُ لأنه تقدَّم منكَّراً في قولهم: إِنَّ هذا لَسِحْرٌ، فجاء هنا بلامِ العَهْدِ.

قال ص: قال الفَّرَّاء: إِنما قال: «السِّحْر» ب «أَلْ» ، لأن النكرة إِذا أُعيدَتْ، أُعيدَتْ ب «أَلْ» ، وتبعه ابن عطية «٢» ، ورُدَّ بأن شرط ما ذكراه اتحاد مدلول النكرةِ المُعَادة كقوله تعالى: كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ [المزمل: ١٥، ١٦] وهنا السِّحْر المنكَّر هو ما أتَى به موسَى، والمعروفُ ما أتَوْا به هُمْ، فاختلف


(١) ينظر: «السبعة» ص: (٣٢٨) ، «الحجة» (٤/ ٢٨٩- ٢٩٠) ، «حجة القراءات» ص: (٣٣٥) ، «إعراب القراءات» (١/ ٢٧٢) ، و «إتحاف فضلاء البشر» (٢/ ١١٨) ، و «شرح شعلة» (٤٢٣) ، و «إتحاف» (٢/ ١١٨) ، و «العنوان» (١٠٥) .
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ١٣٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>