للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه، فمعنى الآية: أَلاَ إِنهم يُسِرُّون العداوةَ، ويَتَكَتَّمون بها، لِتَخْفى في ظَنِّهِم عن اللَّه وهو سبحانه حينَ تغشِّيهم بثيابهم، وإِبلاغِهِم في التستّر، يعلم ما يسرّون، ويَسْتَغْشُونَ

: معناه يجعلونها أغشيةً وأغطيةً.

قال ص: قرأ «١» الجمهور: «يَثْنُونَ» - بفتح الياء- مضارع ثَنَى الشَّيْءَ ثَنْياً:

طَوَاهُ. انتهى، وقرأ ابن عبَّاس «٢» وجماعة: «تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ» - بالرفْعِ- على وزن «تَفْعَوْعِلُ» ، وهي تحتملُ المعنيين المتقدِّمين، وحكى الطبريُّ عن ابن عبَّاس على هذه القراءة. أنَّ هذه الآية نزَلَتْ في قومٍ كانوا لا يأتون النساءَ والحَدَثَ إِلاَّ ويستَغْشُونَ ثيابهم كراهيةَ أنْ يُفْضُوا بفروجهم إِلى السماء «٣» .

وقوله عزَّ وجلَّ: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها ... الآية، المرادُ جميعُ الحيوانِ المحتاجِ إِلى رزْقٍ، والمستقر: صُلْب الأبِ، و «المستودَعُ» : بَطْن الأُمِّ، وقيل غير هذا، وقد تقدَّم.

وقوله: فِي كِتابٍ: إِشارةٌ إِلى اللوح المحفوظ.

قال ص: لِيَبْلُوَكُمْ اللام متعلِّقة ب «خَلَقَ» وقيل: بفعلٍ محذوفٍ، أي: أَعْلَمَ بذلك لَيَبْلُوَكُمْ، انتهى.

وَلَئِنْ قُلْتَ: اللام في «لَئِنْ» : مُؤذنةٌ بأَنَّ اللام في لَيَقُولَنَّ لامُ قسم، لا جوابِ شرطٍ، وقولهم: إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ تناقُضٌ منهم لأنهم مقرُّونَ بأن اللَّه خلق السموات والأرض، وهم مع ذلك ينكرون ما هو أيْسَرُ من ذلك، وهو البَعْثُ مِنَ القبورِ، وإِذْ خَلْقُ السموات والأرضِ، أكْبَرُ من خلق الناس.


(١) ينظر: «البحر المحيط» (٥/ ٢٠٣) و «الدر المصون» (٤/ ٧٨) .
(٢) وممن قرأ بها مجاهد، ونصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر، وعبد الرحمن بن أبزي، والجحدري، وابن أبي إسحاق، وأبو رزين، وأبو جعفر محمد بن علي، وعلي بن حسين، وزيد بن علي، وجعفر بن محمد، والضحاك، وأبو الأسود الدؤلي.
ينظر: «الشواذ» ص: (٦٤) ، و «المحتسب» (١/ ٣١٨) ، و «المحرر الوجيز» (٣/ ١٥٠) ، و «البحر المحيط» (٥/ ٢٠٣) ، و «الدر المصون» (٤/ ٧٨) .
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦/ ٦٢٦) برقم: (١٧٩٦٥) بنحوه، وللحديث طريق آخر عن ابن عباس، وأخرجه البخاري (٨/ ٦٢٦) برقم: (٤٦٨١- ٤٦٨٢) ، وذكره ابن عطية (٣/ ١٥١) ، والبغوي في «تفسيره» (٢/ ٣٧٤) ، وابن كثير في «تفسيره» (٢/ ٤٣٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٥٧٩) ، وعزاه إلى ابن أبي شيبة، وابن المنذر، كلهم بنحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>