للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال أبو عبيدة «١» وغيره: إنّ في كتاب الله تعالى من كلّ لغة، وذهب الطبريّ وغيره إلى أن القرآن ليس فيه لفظة إلا وهي عربية صريحة، وأن الأمثلة والحروف التي تنسب إلى سائر اللغات إنما اتفق فيها توارد اللغتين، فتكلّمت العرب والفرس أو الحبشة بلفظ واحد وذلك مثل قوله تعالى: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ [المزمل: ٦] قال ابن عبّاس: نشأ بلغة الحبشة: قام من الليل «٢» ، ومنه قوله تعالى: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ [الحديد: ٢٨] ، قال أبو موسى الأشعريّ «٣» : كفلان: ضعفان من الأجر بلسان ...


باتفاق النحاة على أن منع صرف نحو «إبراهيم» ، و «سليمان» ، و «داود» للعلمية والعجمة.
ورد هذا الاستدلال بأن الأعلام ليست محل خلاف، فالكلام في غيرها موجّه بأنه إذا اتفق على وقوع الأعلام فلا مانع من وقوع الأجناس.
وقد اختار السيوطي مذهب القائلين بالوقوع، واستدل له بما أخرجه ابن جرير بسند صحيح عن أبي ميسرة التابعي الجليل قال: في القرآن من كل لسان. وروي مثله عن سعيد بن جبير ووهب بن منبه.
وكان في ذلك إشارة إلى أن كتاب الله حوى علوم الأولين والآخرين، ونبأ كل شيء، فلا بد أن تقع فيه الإشارة إلى أنواع اللغات والألسن ليتم إحاطته بكل شيء، فاختير له من كل لغة أعذبها وأخفها وأكثرها استعمالا للعرب.
وأيضا فالنبي صلى الله عليه وسلم مرسل إلى كل أمة، وقد قال تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ [إبراهيم: ٤] فلا بد وأن يكون في الكتاب المبعوث به من لسان كل قوم، وإن كان أصله بلغة قومه هو.
وثمة مذهب يجمع بين القولين، وهو قول أبي عبيد القاسم بن سلام، فقد قال: والصواب عندي مذهب فيه تصديق القولين جميعا وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء، لكنها وقعت للعرب، فعربتها بألسنتها وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها، فصارت عربية، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب، فمن قال: إنها عربية فهو صادق، ومن قال: أعجمية فصادق.
ومال إلى هذا القول الجواليقي وابن الجوزي وآخرون.
وللتاج السبكي نظم لهذه الكلمات الأعجمية، وقد زاد عليه كل من الحافظ ابن حجر والسيوطي.
ينظر: «الإتقان في علوم القرآن» (٢/ ١٢٥- ١٢٩) ، و «التحبير في علم التفسير» (٢٠٠- ٢٠٢) ، وكلاهما للحافظ السيوطي.
(١) معمر بن المثنى التيمي البصري، أبو عبيدة النحوي: من أئمة العلم بالأدب واللغة، ولد في ١١٠ هـ. قال الجاحظ: لم يكن في الأرض أعلم بجميع العلوم منه، كان إباضيا شعوبيا، من حفاظ الحديث، لما مات لم يحضر جنازته أحد، لشدة نقده معاصريه توفي ٢٠٩ هـ، له مؤلفات منها: «مجاز القرآن» ، «الشوارد» ، «الزرع» .
ينظر: «وفيات» (٢/ ١٠٥) ، «المشرق» (١٥/ ٦٠٠) ، «تذكرة الحفاظ» (١/ ٣٣٨) ، «بغية الوعاة» (٣٩٥) ، «السيرافي» (٦٧) ، «الأعلام» (٧/ ٢٧٢) .
(٢) ينظر: «الطبري» (١/ ٣١) (٢) ، والبيهقي في «سننه» (٣/ ٢٠) ، وذكره السيوطي في «الدر» (٦/ ٤٤٣) ، وعزاه لسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن نصر، وابن المنذر، والبيهقي في «سننه» .
(٣) هو: عبد الله بن قيس بن سليم بن حصار بن حرب بن عامر بن غنم بن بكر بن عامر بن عذب بن وائل بن ناجية بن الجماهر بن الأشعر.. أبو موسى الأشعري. صحابي مشهور، كان حسن الصوت.

<<  <  ج: ص:  >  >>