للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله سبحانه: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ... الآية: ضميرٌ عامٌّ، ووعيدٌ محضٌ، يأخذ كلُّ أحد منه بحَسَب جُرْمه وعِصْيانه، فالكافرُ يسأل عن التوحيدِ والرسالةِ، وعن كُفْره وقَصْدِهِ به، والمؤمنُ العاصِي يُسْأل عَنْ تضْييعه، وكلُّ مكلَّف عما كُلِّف القيامَ به وفي هذا المعنى أحاديثُ، قال ابن عباس في هذه الآية يقال لهم: لِمَ عَمِلْتُمْ كذا وكذا، قال: وقوله تعالى: فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ [الرحمن: ٣٩] : معناه: لا يقال له: مَاذَا أذنَبْتَ، لأَنَّ اللَّه تعالى أعلم بذنبه منه «١» ، وقوله سبحانه: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ: «اصدع» : معناه: أنْفِذْ، وصرِّح بما بُعِثْتَ به.

وقوله: وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ: من آيات المهادَنَةِ التي نَسَخَتْها آية السَّيْف «٢» قاله ابن عباس، ثم أعلمه اللَّه تعالَى بأنه قد كَفَاه المُسْتهزئين به مِنْ كُفَّار مَكَّة ببوائِقَ أصابَتْهم من اللَّه تعالى.

قال ابن إسحاق وغيره: وهُمُ الذين قُذِفُوا في قَلِيبِ بَدْرٍ كأبِي جَهْل وغيره. انتهى.

وقوله سبحانه: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ: آية تأنيس للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والْيَقِينُ هنا: الموتُ قاله ابن «٣» عمر وجماعةٌ، قال الداوديّ: وعن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قَالَ: «مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ أَنْ أَجْمَعَ المَالَ، وأَكُونَ مِنَ التَّاجِرِينَ، وَلَكِنْ أُوْحِيَ إِلَيَّ أَنْ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، واعبد رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِين «٤» . انتهى، وباقي الآية بيِّن، وصلَّى اللَّه على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما.


(١) أخرجه الطبري (٧/ ٥٤٨) برقم: (٢١٤٠٣) ، وذكره البغوي (٣/ ٥٨) ، وابن عطية (٣/ ٣٧٥) ، وابن كثير في «تفسيره» (٢/ ٥٥٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ١٩٩) ، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «البعث» .
(٢) أخرجه الطبري (٧/ ٥٥٠) برقم: (٢١٤١٥) ، وذكره ابن عطية (٣/ ٣٧٥) .
(٣) ذكره ابن عطية (٣/ ٣٧٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ٢٠٣) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وابن جرير.
(٤) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ٢٠٣) ، وعزاه لسعيد بن منصور، وابن المنذر، والحاكم في «التاريخ» ، وابن مردويه، والديلمي.

<<  <  ج: ص:  >  >>