للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأَحْصى: فعلٌ رباعيٌّ ويحتجُّ لقول الزَّجَّاج بأن «أفْعَل» من الرباعيّ قد كثر كقولك: ما


«والوجه الثاني» : أن يكون «أحصى» فعلا ماضيا. و «أمدا» مفعوله، و «لما لبثوا» متعلق به، أو حال من «أمدا» واللام فيه مزيدة، وعلى هذا ف «أمدا» منصوب ب «لبثوا» ، و «ما» مصدرية، أو بمعنى الذي، واختار الأول أعني كون «أحصى» للتفضيل الزجاج، والتبريزي، واختار الثاني أبو علي، والزمخشري، وابن عطية، قال الزمخشري: فإن قلت فما تقول فيمن جعله أفعل تفضيل؟ قلت: ليس بالوجه السديد، وذلك أنّ بناءه من غير الثلاثي المجرد ليس بقياس، نحو: «أعدى من الجرب» . و «أفلس من ابن المذلّق» شاذ، والقياس على الشاذ في غير القرآن ممتنع، فكيف به؟ ولأن «أمدا» إما أن ينتصب بأفعل وأفعل لا يعمل، وإما أن ينتصب ب «لبثوا» فلا يسد عليه المعنى، فإن زعمت أني أنصبه بفعل مضمر، كما أضمر في قوله:
.......... وأضرب منّا بالسّيوف القوانسا فقد أبعدت عن المتناول، حيث أردت أن يكون فعلا، ثم رجعت مضطرا إليه، وناقشه الشيخ، فقال: أما دعواه أنه شاذ، فمذهب سيبويه خلافه، وذلك أن أفعل فيه ثلاثة مذاهب: الجائز مطلقا، ويعزى لسيبويه. والمنع مطلقا، وهو مذهب الفارسي. والتفصيل بين أن تكون همزته للتعدية فيمتنع، وبين أن لا تكون، فيجوز، وهذا ليست الهمزة فيه للتعدية، وأما قوله: أفعل لا يعمل فليس بصحيح، لأنه لا يعمل في التمييز، و «أمدا» تمييز لا مفعولا به كما تقول: زيدا أقطع النّاس سيفا، وزيدا أقطع للهام سيفا.
«قلت: الذي أحوج الزمخشري إلى عدم جعله تمييزا مع ظهوره في بادىء الرّأي عدم صحة معناه، وذلك أنّ التمييز شرطه في هذا الباب أن يصح نسبة ذلك الوصف الذي قبله إليه، ويتصف به، ألا ترى إلى مثاله في قوله: «زيدا أقطع النّاس سيفا» كيف يصح أن يسند إليه، فيقال: «زيد أقطع سيفه، وسيفه قاطع» إلى غير ذلك، وهنا ليس الإحصاء من صفة «الأمد» ولا يصح نسبته إليه، وإنما هو من صفات الحزبين، وهو دقيق، وكان الشيخ نقل عن أبي البقاء نصبه على التمييز، وأبو البقاء لم يذكر نصبه على التمييز حال جعله «أحصى» أفعل تفضيل، وإنما ذكر ذلك حين ذكر أنه فعل ماض قال أبو البقاء: في «أحصى» وجهان:
«أحدهما» : هو فعل ماض، و «أمدا» مفعول «لبثوا» . وهو خطأ، وإنما الوجه أن يكون تمييزا، والتقدير:
لما لبثوه.
«الوجه الثاني» : هو اسم، و «أمدا» منصوب بفعل دلّ عليه الاسم، فهذا تصريح بأن «أمدا» حال جعله «أحصى» اسما ليس تمييزا، بل مفعولا به بفعل مقدّر، وأنه جعله تمييزا عن «لبثوا» .
ثم قال الشيخ: «وأما قوله: وأما أن ينصب ب «لبثوا» فلا يسد عليه المعنى، أي: لا يكون معناه سديدا، وقد ذهب الطبري إلى أنه منصوب ب «لبثوا» . قال ابن عطية: وهو غير متّجه انتهى، وقد يتجه، وذلك أنّ الأمد هو الغاية، ويكون عبارة عن المدّة، من حيث إنّ المدة غاية في أمد المدة على الحقيقة، و «ما» بمعنى الذي و «أمدا» منصوب على إسقاط الحرف، وتقديره: لما لبثوا من أمد، أي: من مدة، ويصير «من أمد» تفسيرا لما أبهم من لفظ «ما» ، كقوله: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ- ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ، ولمّا سقط الحرف، وصل إليه الفعل. قلت: يكفيه أن مثل ابن عطية جعله غير متجه، وعلى تقدير ذلك، فلا نسلم أنّ الطبري عنى نصبه ب «لبثوا» ، مفعولا به، بل يجوز أن يكون عنى نصبه تمييزا، كما قاله أبو البقاء، ثم قال: وأما قوله: فإن زعمت إلى آخره، فتقول: لا نحتاج إلى ذلك، لأن لقائل ذلك أن يذهب مذهب الكوفيين، في أنه ينصب القوانس بنفس «اضرب» ، ولذلك جعل بعض النحاة أنّ «أعلم»

<<  <  ج: ص:  >  >>