للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله سبحانه: وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ... الآية: «ذو القرنين» ، هو المَلِكُ الإسْكَنْدَرُ اليُونَانِيُّ، واختلف في وَجْه تسميته ب «ذي القَرْنَيْنِ» وأحسنُ ما قيل فيه: أنه كان ذا ظفيرتين، من شَعْرهما قرناه، والتمكينُ له في الأرض: أنه مَلَكَ الدنيا، ودانَتْ له الملوك كلها، وروي أن جميع من مَلَكَ الدنيا كلَّها أربعَةٌ، مُؤْمِنَانِ وكافران فالمُؤْمِنَانِ: سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عليهما السلام، والإسْكَنْدَرُ، والكافِرَانِ: نُمْرُود، وبُخْتَ نَصَّرَ.

وقوله سبحانه: وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً معناه: علْماً في كل أمْرٍ، وأقيسةً يتوصَّل بها إِلى معرفة الأشياء، وقوله: كُلِّ شَيْءٍ عمومٌ معناه الخصوص في كلِّ ما يمكنه أنْ يعلمه ويحتاجُ إلَيْه، وقوله: فَأَتْبَعَ سَبَباً، أي: طريقاً مسلوكةً، وقرأ نافع وابن كثير «١» :

وحفص عن عاصم: «في عَيْنٍ حِمِئَة» ، أي: ذاتِ حَمْأة، وقرأ الباقون: «في عَيْنٍ حَامِيَةٍ» ، أي: حارَّة، وذهب «٢» الطبريُّ إلى الجمع بين الأمرين، فقال: يحتملُ أن تكون العين حارَّة ذاتَ حَمْأة واستدلَّ بعضُ الناس على أن ذا القرنين نبيّ بقوله تعالى: قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ، ومن قال: إنه ليس بنبيٍّ، قال كانت هذه المقالةُ مِنَ اللَّهِ له بإِلهامِ.

قال ع «٣» : والقول بأنه نبيّ ضعيف، وإِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ معناه: بالقَتْلِ على الكُفْر، وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً، أي: إِن آمنوا، وذهب الطبري «٤» إِلى أنَّ اتخاذه الحُسْن هو الأسْرُ مع كُفْرهم، ويحتمل أنْ يكون الاتخاذ ضَرْبَ الجزية، ولكنْ تقسيم ذي القرنين بعد هذا الأمْر إِلى كفر وإيمان يردُّ هذا القول بعض الردّ، وظَلَمَ في هذه الآية:

بمعنى كَفَر، وقوله: عَذاباً نُكْراً، أي: تنكره الأوهام، لعظمه، وتستهوله، والْحُسْنى يراد بها الجَنَّة.

وقوله تعالى: ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً المعنى: ثم سلك ذو القرنين الطُّرُق المؤدِّية إِلى مَقْصِده، وكان ذو القرنَيْن، على ما وقع في كُتُب التاريخ يَدُوسُ الأرض بالجيوش الثّقال،


(١) ينظر: «السبعة» (٣٩٨) ، و «الحجة» (٥/ ١٦٩) ، و «إعراب القراءات» (١/ ٤١٢) ، و «معاني القراءات» (٢/ ١٢١) ، و «حجة القراءات» (٤٢٨) ، و «العنوان» (١٢٤) ، و «شرح الطيبة» (٥/ ١٨) ، و «شرح شعلة» (٤٧٨) ، و «إتحاف» (٢/ ٢٢٣) .
(٢) ينظر: «الطبري» (٨/ ٢٧٤) .
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ٥٣٩) .
(٤) ينظر: «تفسير الطبري» (٨/ ٢٧٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>