للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَنَا مِنْها، تباعَدَتْ منه، ومَشَتْ فإذا رجع عنها اتَّبعَتْهُ، فلما رأَى ذَلِكَ أَيقنَ أَنَّ هذا مِنْ أُمُورِ الله الخَارِقَةِ للعادة، ونُودِي، وانقضى أَمْرُه كُلّه في تلك الليلة هذا «١» قول الجُمْهُورِ، وهو الحقُّ، وما حُكِيَ عن ابنِ عباسٍ: أنَّه قال: أَقامَ في ذلك الأَمْرِ حَوْلاً، فغيرُ صَحِيحٍ عن ابن عباس «٢» .

وآنَسْتُ: معناه: أَحْسَسْتُ، والقَبَسُ: الجذْوةُ من النار، تكون على رَأْس العُودِ.

والهُدَى: أراد هُدَى الطريقِ، أَيْ: لعلي أَجِدُ مرشداً لي، أوْ دليلاً.

وفي قِصَّة موسى بأسْرها في هذه السورة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلّم عما لقي في تبليغه من المشقّات صلى الله عليه وسلّم والضميرُ في قوله: أَتاها: عائِدٌ على النار.

وقوله: «نُودي» : كنايةٌ عن تَكْلِيم الله تعالى له (عليه السلام) .

وقرأَ نَافِعٌ «٣» وغيرُه: إنِّي- بكسر الهمزة- على الابْتداءِ، وقرأَ أَبُو عَمْرو، وابن كَثِير:

«أَنِّي» - بفتحها- على معنى: لأَجل أَنِّي أَنا رَبُّك، فَاخْلَعْ نعليك.

واخْتُلِفَ في السبب الذي مِنْ أَجْله أُمِرَ بخلْعِ النعلين: فقالتْ فِرْقَةٌ: كَانَتَا من جِلْد حَمِارٍ مَيِّتٍ، فأُمِرَ بِطَرْحِ النَّجَاسَةِ.

وقالت فرقةٌ: بل كَانَتْ نَعْلاَهُ مِنْ جِلْدِ بقَرَةٍ ذَكِيّ لكن أُمِر بخلعهما لينَالَ بركَةَ الوَادِي المُقدَّسِ، وتمَسَّ قَدَماهُ تُرْبَةَ الوَادِي.

قال ع «٤» : وتحتمل الآيةُ مَعْنًى آخَرَ، هو الأَليقُ بها عِنْدِي وهو: أَن الله تعالى أمرِه أنْ يتأدَّبَ، ويتَوَاضَعَ لعظم الحَالِ الَّتي حَصَلَ فيها، والعُرْف عِنْد المُلُوكِ: أن تخلع


(١) في ج: هذا هو.
(٢) ذكره ابن عطية (٤/ ٣٨) .
(٣) وكذلك قرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائيّ، غير أن نافعا فتح الياء، وأسكنها الباقون.
ينظر: «السبعة» (٤١٧) ، و «الحجة» (٥/ ٢١٨) ، و «إعراب القراءات» (٢/ ٢٨) ، و «معاني القراءات» (٢/ ١٤٣) ، و «شرح الطيبة» (٥/ ٣٩) ، «وحجة القراءات» (٤٥١) ، و «شرح شعلة» (٤٩٠) ، و «إتحاف» (٢/ ٢٤٤) .
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٤/ ٣٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>