للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرأ الجمْهورُ «١» : «أُخْفِيهَا» - بضم الهمزة- فقيل: معناه: أظهرها، وزعموا: أَنَّ «أَخْفَيْتُ» من الأَضْدَادِ.

وقالت فرقةٌ: أَكادُ بمعنى أُرِيدُ، أيْ: أرِيدُ إخْفَاءَها عنكم لتجزى كل نفس بما تسعى، واسْتَشْهَدُوا بقول الشاعر: [الكامل] .

كَادَتْ وَكِدْتَ وَتِلْكَ خَيْرُ إرَادَةٍ ... ................ «٢»

وقالت فرقةٌ: أَكاد: على بَابها بمعنى: أنها مقاربة ما لم يَقَعْ لكن الكلام جَارٍ على استعارة العَرَبِ، ومَجَازِهَا، فلما كانت الآيةُ عبارةٌ عن شِدَّةِ خَفَاءِ أَمْرِ القيامة ووقْتِها، وكان القَطْعُ بإتْيَانِها مع جَهْلِ الوَقْتِ أَهْيَبُ على النفوسِ بالغ- سُبْحَانَه- في إبْهَامِ وقْتِها، فقال:

أَكادُ أُخْفِيها حتَّى لاَ تظهرُ ألْبتةَ، ولكن ذلك لا يقعُ، ولا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهَا، وهذا التَّأْوِيلُ هو الأقوى عندي.

وقوله سبحانه: «فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا» : أيْ: عن الإيمانِ بالسَّاعَةِ، ويحتمل عودُ الضمير على الصَّلاَةِ.

وقوله: فَتَرْدى: معناه فتَهْلك، والردى: الهلاكُ، وهذا الخطابُ كلَّه لموسى عليه السلام، وكذلك ما بعده.

وقال النقاش: الخطاب ب فَلا يَصُدَّنَّكَ: لنبينا محمد صلى الله عليه وسلّم وهذا بَعِيدٌ «٣» .

وقوله سبحانه: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى تقريرٌ مضمنه التَّنْبِيهُ، وجمعُ النفْسِ لتلقى ما يورد عليها، وإلاَّ فقد علم سُبْحَانه مَا هي في الأزل.


(١) ينظر: «المحتسب» (٢/ ٤٧- ٤٨) ، و «المحرر الوجيز» (٤/ ٤٠) ، و «الدر المصون» (٥/ ١١) .
(٢) صدر بيت للأخفش، وعجزه:
............... .. ... لو عاد من لهو الصبابة ما مضى
ينظر «الصحاح» (كود) ، و «اللسان» (كود) و (كيد) ، و «التاج» (كود) .
وقال الزبيدي: وقال الأخفش في تفسير الآية: معناه: أخفيها. وفي «تذكرة أبي عليّ» أن بعض أهل التأويل قالوا: أَكادُ أُخْفِيها معناه أظهرها، قال شيخنا: والأكثر على بقائها على أصلها، كما في «البحر» و «النّهر» و «وإعراب أبي البقاء» و «والسفاقسيّ» ، فلا حاجة إلى الخروج عن الظاهر، والله أعلم، قال السيوطيّ: وعكسه كقوله تعالى: يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ أي يكاد. قلت: وفي «اللسان» : قال بعضهم في قوله تعالى أَكادُ أُخْفِيها أريد أخفيها، فكما جاز أن توضع أريد موضع أكاد في قوله جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ [الكهف: ٧٧] . فكذلك أكاد، فتأمّل.
(٣) ذكره ابن عطية (٤/ ٤٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>