للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله سبحانه: أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ أي: إليها سابقون، وهذا قول بعضهم في قوله: لَها، وقالت فرقةٌ: معناه وهم من أَجْلِها سابقون، وقال الطبريُّ عنِ ابن عباس: المعنى: سبقتْ لهم السعادَةُ في الأَزَلِ فهم لها «١» ، وَرَجَّحَهُ الطبريُّ «٢» بأنَّ اللام متمكنة في المعنى.

وقوله سبحانه: وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ أظهر ما قيل فيه أنَّه أراد كتابَ إحصاءِ الأعمال الذي ترفعه الملائكة، وقيل: الإشارة إلى القرآن، والأول أظهر.

وقوله سبحانه: بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا اخْتُلِفَ في الإشارة بقوله: مِنْ هذا هل هي: إلى القرآن، أو إلى كتاب الإحصاءِ، أو إلى الدِّينِ بجملته، أو إلى النبي صلى الله عليه وسلّم؟ وَلَهُمْ أَعْمالٌ أي: من الفساد هُمْ لَها عامِلُونَ: في الحال والاستقبالِ، والمُتْرَفُ: المُنَعَّمُ في الدّنيا، الذي هو منها في سرف، ويَجْأَرُونَ معناه: يستغيثون بصياح كصياح البقر، وكَثُرَ استعمال الجُؤَار في البَشَرِ ومنه قول الأعشى: [المتقارب]

يُرَاوِحُ مِنْ صَلَوَاتِ المَلِيك ... طَوْراً سُجُوداً وَطَوْراً جُؤَارَا «٣»

وقال ص: جأر الرجل إلى الله تعالى، أي: تَضَرَّعَ قاله الحُوفِيُّ، انتهى، وذهب مجاهد وغيره إلى أَنَّ هذا العذابَ المذكورَ هو الوعيدُ بيوم بَدْرٍ «٤» ، وقيل: غيرُ هذا.

وقوله سبحانه: لاَ تَجْأَرُوا الْيَوْمَ أي: يقال لهم يوم العذاب: لا تجأروا اليوم.

[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٦٦ الى ٧٦]

قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (٦٧) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٠)

وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤) وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥)

وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (٧٦)


(١) أخرجه الطبريّ (٩/ ٢٢٦) برقم (٢٥٥٦٥) ، وذكره البغوي (٣/ ٣١٢) ، وذكره ابن عطية (٤/ ١٤٨) ، والسيوطي (٥/ ٢٢) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٢) ينظر: الطبريّ (٩/ ٢٢٦) .
(٣) في «ديوانه» (٧٦) وينظر البيت في «تفسير الطبريّ» (٢/ ١٠٥) ، والصاحبي (٨٤) ، و «البحر المحيط» (٥/ ٥٠٠) ، و «روح المعاني» (١٤/ ١٦٥) ، و «الدر المصون» (٤/ ٣٣٦) .
(٤) أخرجه الطبريّ (٩/ ٢٢٨، ٢٢٩) برقم (٢٥٥٨١) عن مجاهد، وبرقم (٢٥٥٨٣) عن ابن جريج، وبرقم (٢٥٥٨٤) عن الضحاك، وذكره ابن عطية (٤/ ١٤٩) ، والسيوطي (٥/ ٢٣) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد، وعزاه أيضا للنسائي عن ابن عباس.
وعزاه أيضا لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة، وعزاه أيضا لعبد بن حميد عن سعيد بن جبير.

<<  <  ج: ص:  >  >>