للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ: أي: الملائكة أنَّ قائِلي هذه المقالةِ مِنَ الكفرةِ لَمُحْضَرُونَ في النَّارِ، وقيل للحسابِ، والأولُ أوْلَى لأنَّ الإحْضَارَ متَى جَاء في هذه الصُّورة عُنِيَ بهِ العذابُ إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ فإنَّهُمْ ناجُونَ مِنَ النَّار، انتهى، وفي البخاريِّ لَمُحْضَرُونَ أي: سيُحْضَرُونَ للحساب، انتهى.

[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١٦١ الى ١٧٣]

فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ (١٦١) ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (١٦٢) إِلاَّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (١٦٣) وَما مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥)

وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦) وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (١٧٠)

وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (١٧٣)

وقوله تعالى: فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ بمعنى: قل لهم يا محمد، إنَّكم وأصنَامَكم مَا أَنْتُم بمضلِّينَ أَحَداً بسبَبِها وَعَلْيهَا إلاَّ مَنْ قَدْ سَبَقَ عليه القضاءُ فإنَّه يَصْلَى الجَحِيمَ في الآخرةِ ولَيْسَ لَكُمْ إضْلالُ مَنْ هَدَى اللَّهُ تعالى، وقالت فرقة: عَلَيْهِ بمعنى: «به» والفَاتِنُ: المُضِلُّ في هذا الموضعِ وكذلك فسَّره ابن عَباس وغيره «١» ، وحذفت اليَاءُ مِنْ صالِ للإضَافةِ.

ثم حكى- سبحانه- قولَ الملائِكَةِ وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وهذا يؤيِّدُ أَن الجِنَّةَ أرادَ بِها الملائِكةَ، وتقديرُ الكلامَ وما منا ملك، وروت عائشة- رضي الله تعالى عنها- عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أَنَّ السَّمَاءَ مَا فِيها مَوْضِعُ قَدَمٍ إلاَّ وَفِيهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ وَاقِفٌ يُصَلِّي» ، وَعَنِ ابن مسعود وغيره نحوه «٢» .

والصَّافُّونَ معناه: الواقفون صفوفا، والْمُسَبِّحُونَ، يحتملُ أن يرِيدَ بِه الصَّلاَة، ويحتملُ أنْ يريدَ قَولَ: سبحَان اللَّهِ، قال الزَّهْرَاوِيُّ: قيل: إن المسْلِمِينَ إنما اصْطَفُّوا في الصلاةِ مُذْ نَزَلَتْ هذهِ الآيةُ، ولا يصطفُّ أحَدٌ من أهلِ المِلَلِ غَيْرُ المسلِمينَ، ثمَّ ذكرَ تعالى مَقَالَةَ بَعْضِ الكفارِ، قال قتادةُ وغيرُه: فإنهم قبل نبوّة نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، قالوا: لو كَانَ لَنَا كتابٌ أو جاءَنا رسولٌ، لَكُنا عِبَادَ اللَّهِ المخْلَصِينَ، فلما جَاءهم محمّد كفروا به، فسوف


(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٥٣٦) برقم: (٢٩٦٦١) عن ابن عبّاس بنحوه، وبرقم: (٢٩٦٦٤) عن الحسن، وبرقم: (٢٩٦٦٧) عن إبراهيم. وذكره البغوي (٤/ ٤٥) ، وابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٤٨٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٥٤٨) ، وعزاه لابن أبي حاتم عن ابن عبّاس.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٥٣٩) برقم: (٢٩٦٨٠) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٤٨٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٥٥٠) ، وعزاه لعبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والبيهقي في «شعب الإيمان» عن ابن مسعود.

<<  <  ج: ص:  >  >>