للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمعنى مغفولاً عنه، أي: نتركه يَمُرُّ لا تؤخذون/ بقبوله ولا بتدبُّره، فكأَنَّ المعنى: أفنترككم سُدًى، وهذا هو منحى قتادةَ وغيره، وقرأ نافع وحمزة والكسائي: «إنْ كُنْتُمْ» بكسر الهمزة «١» ، وهو جزاءً دَلَّ ما تقدَّمه على جوابه، وقرأ الباقون بفتحها بمعنى: من أجل أَنْ، والإسراف في الآية هو كُفْرُهُمْ.

«وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ» أي: في الأُمَمِ الماضية، كقوم نوحٍ وعادٍ وثمودَ وغيرهم.

«وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» أي: كما يستهزىء قومك بك، وهذه الآية تسلية للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وتهديد بأَنْ يصيبَ قريشاً ما أصاب مَنْ هو أَشَدُّ بَطْشاً منهم.

وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ أي: سلف أمرهم وسُنَّتُهُم، وصاروا عبرةً غَابِرَ الدَّهْرِ، أنشد صاحبُ «عنوان الدِّرَايَةِ» لشيخه أبي عبد اللَّه التَّمِيميِّ: [البسيط]

يَا وَيْحَ مَنْ غَرَّهُ دَهْرٌ فَسُرَّ بِهِ ... لَمْ يَخْلُصِ الصَّفْوُ إلاَّ شِيبَ بِالْكَدَرِ

هُوَ الْحِمَامُ فَلاَ تُبْعِد زِيَارَتَه ... وَلاَ تَقُلْ لَيْتَنِي مِنْهُ على حَذَرِ

انْظُرْ لِمَنْ بَادَ تَنْظُرْ آيَةً عَجَباً ... وَعِبْرَةً لأولي الأَلْبَابِ وَالْعِبَرِ

أَيْنَ الألى جَنَبُوا خَيْلاً مُسَوَّمَةً ... وَشَيَّدُوا إرَماً خَوْفاً مِنَ الْقَدَرِ

لَمْ تُغْنِهِمْ خَيْلُهُمْ يَوْماً وَإنْ كَثُرَتْ ... وَلَمْ تُفِدْ إِرَمٌ لِلْحَادِثِ النُّكُرِ

بَادُوا فَعَادُوا حَدِيثاً إنَّ ذَا عَجَبٌ ... مَا أَوْضَحَ الرَّشْدَ لَوْلاَ سَيِّىءُ النَّظَرِ

تَنَافَسَ النَّاسُ في الدُّنْيَا وَقَدْ عَلِمُوا ... أنّ المقام بها كاللّمح بالبصر

انتهى.

[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٩ الى ١٤]

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١١) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣)

وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤)


(١) ينظر: «السبعة» (٥٨٤) ، و «الحجة» (٦/ ١٣٨) ، و «إعراب القراءات» (٢/ ٢٩٢) ، و «معاني القراءات» (٢/ ٣٦١) ، و «شرح الطيبة» (٥/ ٢١٧) ، و «العنوان» (١٧١) ، و «حجة القراءات» (٦٤٤) ، و «شرح شعلة» (٥٧٥) ، و «إتحاف» (٢/ ٤٥٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>