للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً أي: في المُعْتَقَدَاتِ، والمواضع التي يريد الإنسان أن يحرّر ما يَعْقِلُ ويعتقد فَإنَّهَا مواضع حقائق، لا تنفعُ الظنونُ فيها، وَأَمَّا في الأحكام وظواهرها فيجتزئ فيها بالمظنونات.

ثم سَلَّى سبحانه نَبِيَّه وأمره بالإعراض عن هؤلاء الكَفَرَةِ.

وقوله: عَنْ ذِكْرِنا قال الثعلبيُّ: يعني القرآن.

وقوله سبحانه: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ الآية متصلة في معنى التسلية، ومتضمنة وعيداً للكافرين، ووعداً للمؤمنين، والحُسْنَى: الجنة ولا حسنى دونها، وقد تقدم نقلُ الأقوال في الكبائر في سورة النساء وغيرها، وتحريرُ القول في الكبائر أَنَّها كُلُّ معصيةٍ يوجد فيها حَدٌّ في الدنيا أو تَوَعُّدٌ عليها بِالنَّارِ في الآخرة، أو لعنة، ونحو هذا.

وقوله: إِلَّا اللَّمَمَ هو استثناء يَصِحُّ أنْ يكونَ مُتَّصِلاً، وإنْ قدرته مُنْقَطِعاً ساغ ذلك، وبِكُلٍّ قد قيل، واخْتُلِفَ في معنى اللَّمَمَ فقال أبو هريرة، وابن عباس، والشَّعْبِيُّ، وغيرهم «١» : اللمم: صِغَارُ الذنوب التي لا حَدَّ فيها ولا وَعِيدَ عليها لأَنَّ الناسَ لا يتخلَّصُونَ من مُوَاقَعَةِ هذه الصغائر، ولهم مع ذلك الحُسْنَى/ إذا اجتنبوا الكبائر، وتظاهر العلماءُ في هذا القول، وكَثُرَ المائِلُ إليه، وحُكِيَ عن ابن المُسَيِّبِ أَنَّ اللمم: ما خطر على القلب، يعني بذلك لمَّةَ الشيطان «٢» ، وقال ابن عباس «٣» : معناه: إلاَّ ما أَلَمُّوا به من المعاصي الفَلْتَةُ والسَّقْطَةُ دون دوام ثم يتوبون منه، وعنِ الحسن بن أبي الحسن «٤» أَنَّهُ قال:

في اللَّمَّةِ من الزنا، والسَّرِقَةِ، وشرب الخمر ثم لا يعود، قال ع «٥» : وهذا التأويلُ يقتضي الرِّفْقَ بالناس في إدخالهم في الوعد بالحسنى إذ الغالب في المؤمنين مواقعة


(١) أخرجه الطبري (١١/ ٥٢٨) عن ابن عبّاس برقم (٣٢٥٨٤) ، وذكره ابن عطية (٥/ ٢٠٤) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٥٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ١٦٦) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير. [.....]
(٢) ذكره البغوي (٤/ ٢٥٣) ، وابن عطية (٥/ ٢٠٤) .
(٣) أخرجه الطبري (١١/ ٢٢٨) برقم: (٣٢٥٧٧) ، وذكره البغوي (٤/ ٢٥٢) ، وابن عطية (٥/ ٢٠٤) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٥٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ١٦٦) ، وعزاه لعبد بن حميد عن أبي صالح.
(٤) أخرجه الطبري (١١/ ٥٢٧) برقم: (٣٢٥٧٠) ، وذكره البغوي (٤/ ٢٥٢) ، وابن عطية (٥/ ٢٠٤) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٢٥٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ١٦٦) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير.
(٥) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٢٠٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>