للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يحتملُ: أنْ يكونَ خِطَاباً مِنَ اللَّهِ تعالى، ويحتملُ: أنْ يَكُونَ إخباراً عَنِ الجِنِّ، وَعَبْدُ الله هو محمّد صلّى الله عليه وسلّم، والضميرُ في كادُوا يحتملُ: أنْ يكونَ لكفارِ قريشٍ، وغيرِهم في اجتماعهم على رَدِّ أمرِهِ صلّى الله عليه وسلّم، وقيلَ: الضميرُ للجِنِّ، والمعنى أنهم كادوا يَتَقَصَّفُونَ عليه «١» لاسْتِماعِ القرآن، وقال ابن جبير: معنى الآيةِ أنَّها قَوْلُ الجِنِّ لقومِهم يحكُون لَهُم، والعبد محمّد ع «٢» ، والضميرُ في كادُوا لأَصْحَابهِ الذينَ يُطِيعُونَ له ويَقْتَدُونَ بهِ في الصلاةِ فَهُمْ عليه لِبَدٌ، واللِبَدُ:

الجماعاتُ شُبِّهَتْ بالشَّيءِ المُتَلبِّدِ، وقال البخاريُّ: قال ابن عبّاس: لِبَداً أعوانا «٣» ، انتهى، ويَدْعُوهُ معناه: يَعْبُدُه، وقيل: عبدُ اللَّهِ في الآيةِ المرادُ به نوحٌ، وقرأ جمهور السبعة: «قَالَ إِنَّمَا أَدْعُواْ رَبِّي» وقرأ حمزةُ وعاصمٌ وأبو عمرو بخلافٍ عنه «٤» : «قُلْ» ، ثم أمَرَ اللَّهُ تعالى محمّدا ع بالتَّبَرِّي مِنَ القُدْرَةِ، وأنَّه لاَ يَمْلِكُ لأَحَدٍ ضَرًّا ولا نفعاً، والملتَحَدُ: المَلْجَأُ «٥» الذي يُمَال إليه، ومنه الإلحاد وهو الميل.

[سورة الجن (٧٢) : الآيات ٢٣ الى ٢٤]

إِلاَّ بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (٢٣) حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً (٢٤)

وقوله: إِلَّا بَلاغاً قال قتادة: التقدير: لا أمْلِكُ إلاَّ بَلاَغاً إلَيْكُمْ، فأمَّا الإيمانُ وَالكُفْرُ، فَلاَ أَمْلِكُهُ «٦» ، وقال الحسن: ما معناه أَنَّه استثناء منقطع، والمعنى: لن يجيرني من


(١) أي يزدحمون عليه. ينظر: «لسان العرب» (٣٦٥٥) .
(٢) أخرجه الطبري (١٢/ ٢٧٢) ، رقم: (٣٥١٣٣) بنحوه، وذكره البغوي (٤/ ٤٠٤) ، وابن عطية (٥/ ٣٨٤) ، وابن كثير (٤/ ٤٣٢) .
(٣) أخرجه الطبري (١٢/ ٢٧٣) ، رقم: (٣٥١٤١) ، وذكره ابن عطية (٥/ ٣٨٤) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٤٣٧) ، وعزاه لابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٤) وحجة هؤلاء إجماع على ما بعده على الأمر فردّ ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه أولى. وحجة الباقين أن ذكر الغيبة قد تقدم، وهو قوله: «وأنه لما قام عبد الله» ، وقوله: «قال إنما أدعو» .
ينظر: «السبعة» (٦٥٧) ، و «الحجة» (٦/ ٣٣٣) ، و «إعراب القراءات» (٢/ ٤٠٢) ، و «حجة القراءات» (٧٢٩) ، و «معاني القراءات» (٣/ ٩٨) ، و «شرح الطيبة» (٦/ ٧٦) ، و «العنوان» (١٩٨) ، و «شرح شعلة» (٦١٠) ، و «إتحاف» (٢/ ٥٦٧) .
(٥) في د: الملتجأ.
(٦) أخرجه الطبري (١٢/ ٢٧٥) ، رقم: (٣٥١٥٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>