للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالبعث، انتهى، والبنان: الأصابع، ونُسَوِّيَ بَنانَهُ معناه: نتقنها سَوِيَّةً قاله القتبي، وهذا كله عند البعث، وقال ابن عباس وجمهور المفسرين: المعنى: بل نحن قادرون أنْ نسوي بنانه، أي: نجعل أصابع يديه ورجليه شيئاً واحداً كَخُفِّ البعير أو كحافر الحمار، لا يمكنه أنْ يعمل بها شيئاً، ففي هذا تَوَعُّدٌ ما، والقول الأول أجرى مع رصف الكلام «١» .

بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ معناه: أنَّ الإنسان إنَّما يريد شهواتِهِ ومعاصِيَه ليمضيَ فيها أبداً راكباً رأسه، ومطيعاً أمله، ومُسَوِّفاً توبته قال البخاريُّ: لِيَفْجُرَ أَمامَهُ يقول: سوف أتوب، سوف أعمل «٢» ، انتهى.

/ قال الفخر «٣» : قوله: لِيَفْجُرَ أَمامَهُ فيه قولان:

الأَوَّل: ليدوم على فجوره فيما يستقبله من الزمان، لا ينزع عنه فَعَنِ ابن جُبَيْرٍ:

يقدم الذنب، ويُؤَخِّرُ التوبة «٤» ، يقول: سوف أتوب، سوف أتوب حتى يأتيه الموت على شر أحواله وأسوإ أعماله.

القول الثاني: لِيَفْجُرَ أَمامَهُ أي: يُكَذِّبُ بما أمامه من البعث والحساب لأَنَّ من كذب حَقًّا كان مفاجراً، والدليل على هذا القول قوله تعالى: يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ أي:

متى يكون ذلك تكذيباً له، انتهى.

وسؤال الكفار أَيَّانَ هو على معنى التكذيب والهزء، وأَيَّانَ بمعنى: متى، وقرأ نافع وعاصم بخلافٍ: «بَرَقَ الْبَصَرُ» - بفتح الراء «٥» - بمعنى: لَمَعَ وصار له بريق، وحار عند الموت، وقرأ أبو عمرو وغيره بكسرها بمعنى: شَخَصَ، والمعنى متقارب، قال


(١) أخرجه الطبري (٢/ ٣٢٨) ، رقم: (٣٥٥٤٠- ٣٥٥٤١) ، وذكره ابن عطية (٥/ ٤٠٢) ، وابن كثير (٤/ ٤٤٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٤٦٤) ، وعزاه لعبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٢) ينظر: «فتح الباري» (٨/ ٥٤٧) ، كتاب «التفسير» .
(٣) ينظر: «الفخر الرازي» (٣٠/ ١٩٢) .
(٤) أخرجه الطبري (١٢/ ٣٣٠) ، رقم: (٣٥٥٥٥) ، وذكره البغوي (٤/ ٤٢١) ، وابن عطية (٥/ ٤٠٢) ، وابن كثير (٤/ ٤٤٨) .
(٥) وعاصم قرأها هكذا من رواية أبان.
ينظر: «السبعة» (٦٦١) ، و «الحجة» (٦/ ٣٤٥) ، و «معاني القراءات» (٣/ ١٠٦) ، و «إعراب القراءات» (٢/ ٤١٤) ، و «شرح الطيبة» (٦/ ٨١) ، و «العنوان» (٢٠٠) ، و «حجة القراءات» (٧٣٦) ، و «شرح شعلة» (٦١٣) ، و «إتحاف» (٢/ ٥٧٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>